مغامرات محمد
الأولاد الأشرار

كان محمد تلميذ متفوق في دراسته لكنه كان صغير الحجم بالنسبة إلي زملاءه مما جعلهم يسخرون منه و جعله يكره الذهاب إلى المدرسة . كان اكثر ما يتميز به محمد هو انه طيب القلب ويحب آن يساعد الناس. كانت مدرسة محمد بالقرية مدرسة بين الغيطان ، تبرع بها رجل خير من آهل القرية ، أعطاه الله المال فساعد به الناس في حياتهم على الرغم من انه لم يرزق بأولاد .


كانت محمد معتاد الذهاب والعودة من المدرسة عن طريق داخل القرية بين منازل مهجورة ، هاجر اهلها الى المدينة منذ زمن ولكن يظهر اهلها في الاعياد والمناسبات . كانت الطريق خالية معظم الوقت ولذلك فانه اختارها ليقوم بركل الطوب طوال عودته من المدرسة ويتخيل انه لاعب كرة مشهور.
اعتاد بعض الاولاد الاشقياء بمدرسة محمد والذين قالت عنهم امه " عديمي الاصل الطيب " لأنهم يعيرونه بصغر حجمه وقصر قامته ، اعتاد هؤلاء الاولاد انتظار محمد ومعاكسته في الطريق ولذلك فانه تمكن من معرفة بعض الطرق الجانبية والصغيرة التي يسلكها بين الغيطان ليعود منزله دون الاحتكاك بهم .
لم يكن محمدا جبانا بل كان حكيما ، لا يدخل المعارك الخاسرة لانها تعني التعرض للتهلكة وبدون هدف نبيل ، فالله كتب علينا الجهاد للدفاع عن الدين والشرف والبلد ولم يأمرنا بالانتحار. في يوم من ايام الربيع وأثناء العام الدراسي جاء مدرس التربية الرياضية واخبر الفصل انه يعد للمهرجان الرياضي للمحافظة وانه يريد بعض البراعم الرياضية وطلب من التلاميذ الذين لهم رغبة في الانضمام أن يرفعوا ايديهم . رفع محمد يده ليطلب المشاركة فضحك الاولاد الاشقياء وقال احدهم :
" هل هناك مباراة في البكاء لكي يشترك بها طفلنا العزيز ..؟ ".
لم يعرهم محمد انتباهه ولم ينظر اليهم على الرغم من شعوره بالغيظ الشديد ولكنه يعلم انهم قالوا ذلك ليغيظوه ولن ينالوا ما اردوا .
اجاب المدرس :
" طبعا قائل هذه العبارة ليس رياضيا بالمرة لانه لا يعلم الفرق بين الالعاب الرياضية والالعاب الطفوليه ".
كتب المدرس اسماء الاولاد الرغبين في الانضمام والرياضات الراغبين فيها واخبرهم ان التمرينات والاستعدادت للمهرجان ستبدأ بعد اختبارات الشهر. ظن محمد ان هذه هي الفرصة التي يريدها لاظهار مواهبه في كرة القدم رياضته المحبوبة . بعد الانتهاء من الحصة التفت محمد الى الاولاد الاشقياء فوجدهم مجتمعين يخططون لشئ ولكنه لم يخف لانه يعلم كل حيلهم .
انتهى اليوم الدراسي واستعد الجميع للعودة الى منازلهم وجمع محمد كتبه وخرج من باب المدرسة فلم يجد الاولاد وعلم انهم في انتظاره بالطريق الجانبي ولذلك قرر ان يسلك الطريق الآخر. وجد محمد سيدة عجوز تسير بجواره ومعها اكياس كثيرة وحمل ثقيل وهي تنظر اليه فسألها :
" هل اساعدك في حمل هذه الاشياء ؟ ".
اجابت العجوز بصوت متقطع يدل على ارهاقها الشديد :" هل تعني ذلك ..؟ لقد رفض الاولاد مساعدتي ".
قال لها محمد مؤكدا :
" بالطبع اعني ذلك ".
حمل محمد الاكياس وشعر بثقلها ولذلك كان يسير بسرعة بطيئة جدا ولكنه لم يتراجع عن مساعدته للسيدة وسار بجوارها ووجدها تتجه الى الغيطان حتى وصلت الى منزل صغير وهناك نظرت لمحمد بنظرة طيبة وشكرته قائلة :
" كم تريد ثمنا لتوصيلي للمنزل ؟.." .
اندهش محمد من السؤال وغضب متسائلا :
" هل طلبت منك اجرا ؟.. انا ساعدتك لوجه الله ..".
اجابت السيدة العجوز :
" انا قلت هذا لان بعض الاولاد كانوا يقومون بالمساعدة رغبة منهم في مكافأة أو مال ".
رد محمد قائلا :
" ما عند الله افضل ياسيدتي ". وسار مبتعدا فابتسمت السيدة وقالت له :
" انتظر يا محمد انا اريدك ."
اندهش محمد لانها تعلم اسمه فعاد يسألها :
" كيف علمتي باسمي ؟..".
قالت له :
" لا يهم المهم انك تستحق ان اكافئك لانك الوحيد الذي نجح بالامتحان ولذلك فلك مكافأة كبيرة جدا وعليك ان تختارها ... أي مكافأة تتخيلها ".
سألها محمد :
" أي مكافأة ؟ وأي اختبار ؟ انا لم افهم بعد ".
قالت السيدة :
" أنا يا بني لدي من عند الله الكثير .... واريد ان اعطيه لم يستحق .... وانت تستحق ... لانك تساعد دون رغبة في مصلحة ولذلك فان رغباتك كلها يمكنني ان احققها لك بتوفيق من الله .. "
رد محمد :
" لا اريد .. وإن اخذت شيئا الآن .. الا اكون كما قلت ... اساعدك لرغبة في المصلحة الشخصية .. ".
اجابت السيدة :
" كما تريد ولكن بمنزلي هذا الاماني التي تريدها . ستجدها بعد ان تتطرق على المنزل ثلاث مرات وتطلب من الله ما تريد .. اذا كنت في حيرة أو مأزق فلا تتردد يا بني في اللجوء الى الله وطلب المساعدة وانا ارسلني الله لاحقق لك ذلك ولكن ... لا تخبر احدا بذلك ابدا حتى لا يحسدك الناس فتزول نعمتك ".
ودعها محمد وقال لها :
" اشكرك واشكر الله ان اعطاني قلبا يريد الخير للناس وجعلني احب مساعدة الناس ".
شعر محمد ان الوقت قد مر وانه تأخر على عودته لمنزله فأخذ يجري عائدا ونسي ان الاولاد الاشقياء سيكونون بانتظاره بالطريق الجانبي الذي يعود منه كل يوم . جري محمد حتى وصل الى اول الطريق فلمح مجموعة الاولاد في منتصف الطريق فصاح احدهم " من هنا يا فتى لا تخاف ... نحن في انتظارك " . تردد محمد هل يكمل الطريق ؟ ام انه من الحكمة ان يتركهم ويعود من طريق آخر ؟ .
فكر محمد قليلا ثم بدأ يتراجع ويسلك الطريق الآخر الذي تعود عليه . ضحك الاولاد وعلموا انهم أخافوه . كان الاولاد الاشقياء هم "على حسن " و "على بامية " و "حسنين " و "محمد الفـتلة " . تعود اكبرهم حجما وهو "على بامية " ان يلقبهم بالقاب تختلف عن اسمائهم الحقيقية ، فاطلق على " على حسن " لقب " حسنة " لأنه اسمر اللون ووجهه مستدير مثل الحسنة في الوجه ، كما أطلق لقب "هبهب " على "حسنين " لأنه يتحدث بصوت عال مثلما ينبح الكلب واخيرا اطلق اسم " بطيخة " على زميله " محمد الفـتلة " لأنه سمين ووجه احمر . اما "على بامية " فكان لقبه " المدفع " وذلك لأنه حاد الطباع ومندفع كما يندفع المدفع. ضحك "المدفع " و"حسنة " و "بطيخة " و" هبهب " حتى ادمعت اعينهم وظل " المدفع" يشيد بالخطة التي سيقوم بها ليجعل محمد اضحوكة في المهرجان .

الفصل الثاني
أمنية محمد

عاد محمد الى منزله ليبدأ في مذاكرة واجباته اليومية لانه يعلم ان المهرجان الرياضي سيأخذ جزءا من وقته وهو يريد التفوق . دخلت والدته الحجرة وسألته عن سبب تأخره فحكى لها كيف انه ساعد السيدة وانها ارادت ان تعطيه مكافأة ولكنه رفض . إبتهجت والدته لانها تعلم ان ابنها طيب القلب وانه سيجد عند الله الكثير . نسي محمد ان يخبر والدته ان السيدة طلبت منه ان يتمنى امام منزلها ما يريده وخاصة انه لم يصدق ان الاماني تتحقق بهذه
الطريقة .
مر اليوم ومحمد بين المذاكرة والكتب حتى اتى الليل ونام وهو يحلم باليوم الذي سيصبح فيه بطلا رياضيا ويصفق له الناس لتفوقه الرياضي الكبير . استيقظ محمد في الصباح واستعد للمدرسة بعد افطار ريفي من البيض الطازج والفطير الساخن وتذكر ان يحضر معه ملابس الرياضة ليرتديها عند التدريبات .
ودع محمدا والدته واخبرها بانه قد يتأخر لانه اشترك بالمهرجان ويجب ان يستعد . تمنت له امه التوفيق واستودعته الله . سلك محمد الطريق الى المدرسة وهو فرحان لانه سيشارك في المهرجان ويحقق حلمه بالشهرة في الرياضة .
مر اليوم الدراسي ببعض التعليقات من الاصحاب ولكن لم تؤثر في محمد وفي الحصة الاخيرة جاء مدرس التربية الرياضية وطلب الاسماء المرشحة للتدريب بعد اليوم الدراسي وكان منهم محمد .
انتهي اليوم الدراسي واجتمع الاطفال في ساحة المدرسة وطلب منهم المدرس ان يصطفوا امامه وطلب منهم ان يقوموا ببعض التمرينات التي تدل على اللياقة وبدأ بالجري فكان عليهم ان يقوموا بالجري حول المدرسة وفي الغيطان لمدة ربع الساعة لمعرفة من منهم لديه القدرة على التحمل .
بدأ الاولاد الجري وكان بينهم " حسنة " و " بطيخة " و " هبهب " و" مدفع " وتدافعوا في الطريق وكان مدفع اقلهم ادبا واكثرهم جرأة حتى انه كان يدفع بمحمد ارضا وكان سيتسبب في ايذائه وتماسك محمد ولكنه سقط على الارض في مرة منهم ليجد نفسه بجوار باب السيدة الطيبة فينذكر ما قالته السيدة عن امنياته فينهض محمد ويطرق الباب ثلاث مرات وهو يهمس لنفسه :
" اللهم اعطني القوة والهمني الصواب واجعلني افضلهم في المهرجان ".
لم يلاحظ احدا ان محمدا كان يتحدث مع نفسه ولكن جاء في خاطرهم ان محمد كان خائفا من مدفع ويحاول اللجوء الى اصحاب هذا المنزل ولذلك لم يعره احدا التفتا . اكمل محمد جريه ولكنه لاحظ ان قدماه لم تعد تؤلمه وانه يجري بلا تعب .
" يا للعجب هل تحققت امنية محمد واصبح قويا وبامكانه التفوق في المهرجان " .

الفصل الثالث
التدريب للمهرجان الرياضي

اكمل محمد التمرين الاول واكمل الجري حتى وصل للمدرسة فوجد ان حسنة وبطيخة ومدفع وهبهب وهم يتضاحكون ويتذكرون سقطات محمد المتكررة وقال مدفع للمدرس :
" ارجوك يا استاذ لا نريد عيدان كبريت معنا في الفريق ".
اجاب الاستاذ بحزم لشعوره بتهكمهم :
" انا الذي احدد من معكم في الفريق ".
نظر المدرس الى محمد وسأله :
" هل ترغب في تكملة التمرين معنا ام اصابك الاعياء ".
اجاب محمد على الفور :
" على العكس يا استاذ فانا نشيط جدا ويمكنني الجري عشرون ساعة اخرى ان اردت ".
سعد المدرس بالاجابة وقال للاخرين :
"هذه الروح التي اريدها بين الفريق .. هل سمعتم .. هيا الى التدريب .. الآن عليكم بالوقوف في صفين متقابلين كانكم فريقين ".
اسرع هبهب وحسنة ومدفع وبطيخة في تكوين فريق امام فريق محمد ليكملوا اغاظتهم له وكان محمد على ثقة بان الله معه لانه لجأ اليه ولذلك وقف بتحدي امامهم .
سأل محمد المدرس : " هل سنلعب كرة قدم " .
اجاب المدرس : " بالطبع ولكن لأن كرة القدم يلعبها الجميع وقد نجد العديد من المدارس تلعبها بكفائة ولذلك يمكن ان نضيف الى ذلك بعض فنون القتال والدفاع عن النفس مثل الكاراتيه أو التايكوندو أو الجودو لكي نكون بعض الفرق المتميزة .
ضحك المشاغبون وقال احدهم : " اذا يجب ان تستبعد بعضهم ".
رد المدرس : " ان فنون القتال والدفاع عن النفس تتطلب الخفة والرشاقة والذكاء بالاضافة الى القوة فلا تغرنكم قوتكم فتهزموا ".
اسكت رد الاستاذ المشاغبين واصطف الجميع ووقف محمد واثقا على الرغم من ان اغلب الاقوياء اصطفوا بجانب "مدفع" لعلمهم انه الأقوى ولرغبتهم في الفوز .
بدأ المدرس بتعليمهم فن الجودو في الدفاع عن النفس والذي يعتمد على الاطاحة بالغريم على الارض والفوز عليه بتثبيته على الارض . تعمد المدرس ان يجعل محمد منافسا لتلميذ آخر مقارب له في الحجم ولكنه اندهش هو والآخرين لما رأوه من تفوق محمد في كل مرة . نقل المدرس محمد وجعله امام مدفع مما جعل بقية التلاميذ تقف وهي منتظرة نتيجة المقابلة ولدهشتهم وجدوا ان محمد تفوق عليه ، واطاحه بالطريقة التي شرحها المدرس وثبته وفاز عليه في اقل من دقيقة حتى ان المدرس والتلاميذ صفقوا وحيوا محمد
وقال المدرس : " اعترف انني كنت خائف من انضمامك الى الفريق ولم اكن اعرف انك حاذق من قبل بل وسريع الحركة ".
نظر المدرس الى باقي التلاميذ واخبرهم ان يكونوا مثل محمد وانه مثال اللاعب الممتاز .
كان "مدفع " غضبانا جدا حتى انه ترك التمرين و قرر ان يعود الى منزله وتبعه فريقه "بطيخة" و"حسنة" و"بمبة" .
ضحك باقي التلاميذ عليهم وقال المدرس : " اين الروح الرياضية يا شباب ؟ .. انكم فريق واحد ويجب ان نفرح لأي نصر ".
حمد محمدا الله على توفيقه ولكنه احس بالذنب انه اعتمد على قوة اضافية له وليست قوته الحقيقية فقد كان يتمنى ان تكون تلك هي قدرته الحقيقة .
انتهى التمرين وعاد محمد الى منزله وهو سعيد واخبر والدته كيف انه ابلى بلاءا حسنا ولكنه يشك انها قوة خارقة جاءته من امنيته التي تمناها ولكن اخبرته امه ان زمن المعجزات انتهى ولكن ما اصابه كان من قوة ايمانه .


الفصل الرابع
مفاجأة المهرجان الرياضي

استمر التمرين عدة اسابيع بين التدريب على كرة القدم والجودو والتايكوندو وغيرهم من الالعاب الجماعية والفردية والتي بذل فيها المدرب مجهودا خارقا وفي خلال تلك الفترة اذهل محمد الجميع بقوتة ومهارته حتى انهم لقبوه ب"الجوكر " لان ورقة الجوكر بالكوتشينة تكون رابحة وتحل محل اي ورقة اخرى وذلك لانه اجاد كل الالعاب واصبح في امكانه ان ينضم لأي فريق من فرق المدرسة . كان فريق المشاغبين مغتاظا من ان شعبية محمد بين زملائه قد زادت جدا واصبح العديد من زملائه يحبون ان يرافقوه في عودته لكي يخبرهم كيف اصبح بهذه القوة ولكي يتعلموا منه لانه اصبح مثلهم الاعلى . ظل محمد على تواضعه وحبه للناس جميعا حتى انه كان يساعد زملائه في حمل حاجياتهم الثقيلة والتدريب على اللياقة في اوقات فراغهم ولكنه لم يخبرهم بالسبب الذي جعله قويا .
اصبح المهرجان على وشك ان يقام وبدأت الاستعدادات النهائية واصبح التدريب مكثف وعلى الرغم من ذلك كان محمد يستذكر دروسه حين عودته حتى يظل على تفوقه .
ظل "مدفع " و مجموعته في حيرة من قوة محمد ولكنهم كانوا على ثقة انهم يمكنهم التغلب عليه لان عددهم اكثر ولانهم اكبر حجما ولذلك اراد "مدفع" ومجموعته ان يتحرشوا بمحمد لكي يقوموا بضربه واعلامه انهم الاقوى ولكي يخاف منهم وتعود لهم القوة من جديد .
انتظر الاولاد الاشقياء محمد بالطريق المعتاد له ورآهم محمد فعاد الى الخلف لأنه لا يريد أن يدخل معهم في معركة ولكنهم أرادوا ذلك حتى انهم قاموا بالجري خلفه وظلوا يلاحقوه وفي النهاية توقف محمد لأنه لم يكن جبانا ونظر إليهم وهم في مواجهته ويقومون باستفزازه مما جعل محمد يفقد أعصابه و يضطر لأن يلقنهم درسا قاسيا لا ينسى ابدا حتى ان مدفع ظل يجري خوفا من محمد ويسقط ويقوم بطريقة مضحكة ولكن محمد لم يكن سعيدا بهذه النتيجة خاصة انه اضطر ان يضرب بطيخة لكمة اطاحت بواحدة من اسنانه الامامية مما أضحك الجميع عليه.
" هذه أقل شئ يستحقه هؤلاء الملاعين " تلك العبارة سمعها من الناس الذين تجمهروا حولهم وقت المعركة .
اشتكى بطيخة لناظر المدرسة من أن محمد ضربه وأطاح سنته ولذلك قرر الناظر ان يستبعد محمد من المهرجان الرياضي عقابا له على فعلته وذلك أغضب الجميع و لم يرضي المدرب الذي ذهب الى الناظر واخبره بحقيقة الأمر وأن محمد يتعرض للاستفزاز وفخفف الناظر العقاب وإكتفى بعدم إشتراك محمد في اليوم الأول من المهرجان فقط .
لم يغضب محمد من العقاب لأنه يعلم أن الانسان الاقوى هو من يتحكم في غضبه كما قال الرسول " ليس الشديد بالصرعة ولكن الشديد من يملك نفسه عند الغضب ". وتابع محمد التمرين حتى جاء اليوم الموعود وبدأ المهرجان الرياضي بالمدرسة .
كان اليوم الأول للمهرجان بالمركز التابع للقرية واجتمع فيه أغلب الاهالي وبه ممثلين من وزارة التربية والتعليم والمناطق التعليمية كلها . أصطف الأطفال وكونوا مجموعات حسب المدرسة التابعين لها . لم يكن محمد من الفريق المرشح من مدرسته ولكنه لم يكن حزين بل قرر أنه لن يدخل في معركة دون هدف بعد ذلك ولن يجرؤ أحد أن يستفزه بعد الآن . بدأت المباريات وبدأت معها الهتافات وكان فريق مدرسة محمد من الفرق التي لم تحرز أهدافا تذكر ولذلك لم تكن من الفرق التي يسمع هتافاتها .
شعر مدرب المدرسة بالحزن الشديد لأن محمد كان من أقوى الفتيان وكان يتمنى أن يشترك معهم . ذهب المدرب الى الناظر وطلب منه أن يدرج محمد ويرفع عنه العقاب ولكن الناظر قال للمدرب : " إن محمد ضرب زميله وأطاح سنته مما سيؤثر عليه بقية حياته ومن حق زميله أن يرفع عن محمد العقاب إذا أراد و أنا أتركها له ".
كان الجميع على علم من غيرة المجموعة الشريرة من محمد ولذلك من الصعب أن يوافق بطيخة على رفع العقاب عن محمد ولذلك لم يذهب المدرب الى بطيخة ليسأله السماح .
بدأت المباراة الأولى في كرة القدم وتقدم الرباعي الخطر كما أطلق محمد عليهم وهم كما نعلم "بطيخة" ، "مدفع" ، "حسنة" ، "هبهب" . إنطلقت الهتافات من مدرسة محمد لتشجيعهم وهي تقول :
بمب يا يمية ..
حسن يا حسنة ..
كُلْهُم يا بامية ..
لِفهُم يا فتلة ..
ومحمد يشجعهم رغبة منه في تفوق فريق مدرسته على الرغم من أنهم السبب في عدم السماح له باللعب .
كان بالفريق المنافس بعض الشباب الضخم والذين يعتمدون على ضخامتهم في اللعب فكان لعبهم يتسم بالخشونة الشديدة حتى أن لاعب طويل جدا من الفريق المنافس ركل "بمبة" في صدرة ركلة جعلته يسقط مغشيا عليه مما أثار غضب الفريق كله . لم يتمكن "بمبة" من اللعب حتى حان منتصف وقت " الهاف تايم "
جاء بطيخة لمحمد طالبا منه أن ينقذهم من هؤلاء الشياطين كما أطلق عليهم بطيخة ولكن محمد إعتذر بلطف قائلا أنه موقوف وأنه لا يستطيع الإنضمام إلا بموافقة الناظر . قال أحدهم لبطيخة يجب أن تذوقوا طعم الظلم فان الله يذيق المؤمن من شر أعماله ولكن كلنا فريق ويجب أن نساعد بعضنا الآخر . قال بطيخة متطوعا : " سأذهب الى الناظر وأخبره بالحقيقة لعله يسامحك ".
ذهبت مجموعة من التلاميذ الى الناظر وفي مقدمتهم بطيخة وقال للناظر :
" أريد أن أعترف لك يا حضرة الناظر بأنني وزملائي الأربعة كنا نقوم بالضحك على محمد طول الوقت ونستفيد من ضعفه ولكن الله جعلنا نذوق نفس المعاملة ونتعرض لنفس الظلم ولا يكفيني هذا عقابا بل أريد أن تمنعني أنا من اللعب بدلا من محمد لأنه مظلوم . أما أسناني التي فقدتها فهي من شر أعمالي . "
أجاب الناظر :
" أنا أعلم أنكم كنتم تظلمون محمد ولكن لا أريد أن يفقد محمد إتزانه وعقله اللذان تعود عليهما وعقابه كان لأنه لم يتحكم في أعصابه وطالما أنك تريد أن تطبق العدل فانا ساسمح لكما باللعب وعقابك أنت ومجموعتك ستكون في المدرسة بعد المهرجان ."
نزل محمد الملعب في النصف الثاني من المباراة وصفق الجميع وضحك المنافسين لأهم تخيلوا أن محمد أضعف من الجميع وبدأت المباراة .
هجم فريق محمد على المرمى وقام محمد بتسديد الكرة من على بعد بالقرب من نصف الملعب وتمكن من تسديدها داخل المرمى ممما أثار دهشة الفريق المنافس وجعل الامور تتوتر بين الفريقين . بدأت المجموعة الشرسة بتحويط محمد ولكن محمد كان ذكي وسريع الحركة فكان يمرر الكرة بين أرجلهم ويقفز من أعلى أقدامهم وكان الفضل في تدريبه على ذلك المحاولات المستمرة من الرباعي الخطر الذي كان باستمرار يحاول اسقاطه على الأرض .
نجح فريق الكرة من إحراز هدف النجاح وإكتفى محمد بذلك ولم يحاول إحراز أهداف أكثر حتى لا يثير غيرتهم وركز على الدفاع وأنقذ مرماه من أغلب الأهداف وكان هتاف الجماهير يتردد بين الناس :
محمد .. محمد يا أبهه .... ايه العظمة دي كلها .
ولم يتمكن الفريق من المنافس من ضرب محمد لسرعة حركته وذكاءه وبذلك حقق فريق مدرسته في كرة القدم .


الفصل الخامس
الجوكر

استمر المهرجان ثلاث أيام وفي الثلاث أيام قام محمد باللعب في أغلب المباريات التي تقدمت بها مدرسته حتى أن أطلق عليه لقب الجوكر بالمهرجان ولكنه لم يكن يتقدم في اللعبات الفردية لأنه يعلم أنه متفوق ولا يرغب في أن يحرز نجاح لقوة كان يعلم أنها ليست قوته الحقيقة .
انتهى المهرجان وعاد التلاميذ الى مدرستهم وعادت الحياة الى سابقها غير أن الرباعي الخطر أصبح الثلاثي الخطر بعد أن إنفصل منهم بطيخة وأصبح في جانب محمد وطلب منه يلازمه طول الوقت ليحميه ولكن محمد رفض وقال أنا قادر على أن أحمي نفسي . قام الناظر بإرسال خطابات لوم وتأنيب الى أولياء أمر الرباعي الخطر كعقاب لهم على عدم إلتزامهم وقلة أدبهم ولكن لم تكن هذه هي الوسيلة الفعالة لأنهم قاموا باستلام الخطابات ولكن أهل الفتيان كانوا أميين ولذلك لم يقرأوا الخطابات بانفسهم وافهموهم كذبا انها خطابات شكر لمن أشترك بالمهرجان .
أصبح الجوكر "محمد" من أشهر تلاميذ المدرسة ولكنه لم يكن سعيد كما يتخيل الجميع وكان دائما يقول لنفسه " لو كانت قوتي الحقيقية لسعدت ولكنني أعلم أنها مكافأة لم أرغبها " ولذلك قرر يوما أن يذهب الى منزل السيدة العجوز ويدق الباب ويطلب أن تعود قوته الى سابقها .
بالفعل بعد المدرسة ذهب الى الغيطان وكان يظن أنه بمفرده ولم يكن يعلم أن هبهب خلفه يراقبه . ذهب الى منزل السيدة العجوز ودق الباب وقال : " أتمنى أن أكون بقوتي الحقيقية " وتوقع ان يشعر بضعف نتيجة ذلك ولكنه وجد ان قوته لم تتغير وذلك ادهشه كثيرا !!..

ولكنه لدهشته فتح الباب وخرجت السيدة العجوز مبتسمة وهي تقول له :
"يا بني .. ان قوتك التي شعرت بها لم تكن سوى قوتك الحقيقية وليست مكافأة ولكن ينقص الانسان دائما بعض الثقة لكي تظهر شجاعته وقوته . لقد سمعت عن بطولاتك في المهرجان ومساعدتك لزملائك . انك يا بني ذو قلب كبير وقمت بمجهود كبير . تأكد من قوة ايمانك ايضا أكبر بكثير من قوتك الجسدية ولكنها تحميك من كل ضرر .. فليوفقك الله دائما الى كل خير "
لم يجب محمد ولكنه شعر بارتياح شديد لانه لم يكن مرتاحا وشعوره بالقوة الاضافيه جعله يشعر بانه يخدع الناس ولكنه من الآن سيشعر بالفخر وسيحاول مساعدة الضعفاء من زملائه أكثر وأكثر .

الفصل السادس
المواجهة الاخيرة

عاد محمد الى المنزل بعد ذلك وهو سعيد ولكنه شاهد مشهدا غريبا لفتيان يحاولون تسلق سور حديقة عال وعندما اقترب منهم وجدهم الرباعي الخطر وضرب محمدا كفا بكف لانه شعر بان لا فائدة منهم ولا من توجيههم فهم حالة ميئوس منها .
احس محمد بان هناك خطورة من تسلق السور ولذلك لم يبتعد عنهم لعلهم يحتاجون اليه وقد حدث . اختل توازن بمبة وكاد يسقط ولكن اشتبكت ملابسه بالسور وضغطت على عنقه حتى كاد يختنق . حاول اصدقائه مساعدته ولكنهم فشلوا .
اسرع محمد اليهم وطلب من احدهم ان ينثني حتى يقف عليه ويساعد بمبة . استطاع محمد وبمجهود كبير ان ينقذ بمبة وعندما وضعه على الارض مغشيا عليه ، نظر الى رفاقه فوجد وجوههم صفراء وعلم ان هذا الحادث لم يكن متوقع . ساعد محمد بمبة حتى افاقه من غشيته واطمأن عليه وتركهم وهم في حالة ذهول .
عاد محمد الى المنزل واستكمل واجباته وهو سعيد جدا حتى ان والدته شعرت بذلك وقالت له:
" لم ارك سعيدا مثل اليوم من شهور .. الحمد لله بالطبع ولكن هل ان اعلم لماذا كل هذه السعادة ."
اجاب محمد : "
لانني ايقنت ان الله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه "
سمعت الام حوارا بجوار باب منزلهم فخرجت هي ومحمد ليجدوا الاربعة الاشقياء ومع كل منهم والده وكانت مفاجأة لمحمد ولكنه تداركها قائلا :
"اهلا وسهلا .. مرحبا .. تفضلوا ".
اجاب والد بطيخة :
" الفضل لك يا محمد . لقد كنت مثلا اعلى لاولادنا واليوم قمت باحسن عمل ".
اكمل والد بمبة :
" لقد انقذت ابني ولك الفضل ".
قاطعهم محمد قائلا :
" بل الفضل لله وحده ".
وكانت المفاجأة اذ اجتمع الاولاد حول محمد وهم فرحين واصبحوا بنعمة الله اخوانا كما قال الله تعالى :
" ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي احسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم "
صدق الله العظيم

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

علامة الاذن التيسير

يجب التمهيد لوجود برص في البيت

الانسان تاريخ