ماهينور و القزم



الليلة الغريبة


كانت هناك صبية طيبة اسماها والدها ماهينور وهو يعني ضوء القمر باللغة الفارسية وذلك لأنها ولدت في يوم اكتمل فيه القمر وشعر ببهائه . كانت ماهينور تعيش في منزل صغير في قرية بجوار الغيطان وكانت هذه البلدة صغيرة وفيها العديد من الشخصيات المختلفة . كانت ماهينور تتميز بالخيال الواسع ولذلك تعودت أن تقص العديد من القصص على والدتها وكلها من الخيال ولذلك لم تكن والدتها تستمع لها في كل مرة بل كانت ألام تحاول إقناعها بأن ذلك قد يؤدي إلى دخولها في مشاكل . ولكن ماهينور كانت تتميز بالطيبة الشديدة ولا تهاب المشاكل حتى أنها كانت تساعد المحتاج في كل موقف ولا تتأخر عن أحد إذا استدعاها .
كان ل ماهينور صديقة واحدة تسمى مروه وهي تعلم جيدا أنها طيبة ومؤدبة بالإضافة إلى إنها تؤتمن على أي سر من الأسرار ولا تبوح به . ومع ذلك ، كانت تتمنى أن تعرف أصدقاء كثيرون ،،، ولكنها تريد أن تميز بين الطيب والخبيث . كان ما يضايقها في أي صداقة أنها في كل مرة تصادق ترى من الأصدقاء بعض التصرفات التي لا تقبلها مما يجعلها في ضيق مستمر. اكتفت ماهينور بصداقة مروه واكتفت مروه بصداقة ماهينور وأصبحتا صديقتين حميمتين .

في ليلة صيفية حارة حاولت ماهينور النوم ولكنها لم تستطع ذلك لوجود بعوضة في الحجرة مما جعلها تضيق بوجودها وتحاول القضاء عليها فذهب النوم من عينيها وظلت مستيقظة طوال الليلة حتى ساعة متأخرة. في تلك الليلة وبجوار نافذتها سمعت أصوات كثيرة تتحدث فتخيلت أن هناك بعض الجيران يتحدثون مع بعضهم البعض ولذلك حاولت أن تضع الوسادة على أذنها ولكن دون جدوى .

اقتربت ماهينور من النافذة لترى من المتحدث ولكن لدهشتها لم تر أي شخص بل بدأت تسمع الأصوات بوضوح . خافت قليلا ولكنها تعلم أن بلدتهم تتميز بالأمان ولذلك لم تتوقع أن تكون تلك الأصوات صادرة من شخص تهابه فاقتربت أكثر من النافذة ونظرت في جميع الاتجاهات حتى لمحت شئ يتحرك على أرض الحديقة. ويالها من مفاجأة إنهم أقزام في حجم عقلة الإصبع . كادت ماهينور أن تصرخ من هول المفاجأة ولكنها تمالكت نفسها خوفا من أن يسمعها أحدهم أو يشعر بها ولذلك وضعت يدها على فمها لتكتم صرخة الانفعال.

قالت ماهينور لنفسها :
"لا أصدق ما أرى .. لا بد أنني أحلم فأقزام بهذا الحجم لا وجود لهم " .

وصل إلى سمعها ما كان يقوله الأقزام ولذلك أرادت الإنصات فاقتربت أكثر من النافذة لتسمع أحدهم وهو يقول للآخرين :
"كفى كلاما وصراخا ودعنا نجد حلا للمشكلة .. لا نريد أن نلوم أحدا ولكن المهم هو كيف سيمكننا أن نحصل على المرآة مرة أخرى ".

اندهشت ماهينور حين سمعت كلمة المرآة ولم تعرف ما الذي تعنيه المرآة بالنسبة لهم ولذلك تابعت الحديث لتسمع القزم الآخر يقول :
" إنها مع القرد الخبيث لقد سرقها مننا ولا يعلم خطورتها ".

اندهشت ماهينور لسماعها بوجود قرد بالقرية ولكنها تذكرت أن الغجر يقيمون الآن بأطراف القرية لاقتراب موعد المولد ولديهم قرود يجلبونها عند الموالد ليجذبوا الأطفال وأنها تحب القرود جدا وكانت تذهب للمولد لتراهم عن قرب ولكنها انزعجت من خطورة المرآة ولكن ما الذي يجعل المرآة خطرة يجب أن يكون هناك سرا ما وأستكمل الأقزام حديثهم عن القرد و المرآة و" ماهينور" في أشد الشوق لتسمع حديثهم بالكامل لتعلم سر المرآة.

فهمت ماهينور حين شرح أحد الأقزام لزميله أنه كان للأقزام مرآة سحرية بها قوة غريبة وحين ينظر إليها الإنسان يرى نفسه ولكن بلون يتناسب مع مدى طيبته وشره . فالإنسان الشرير يرى نفسه بلون أحمر والإنسان الطيب يرى نفسه بلون أخضر وتتدرج الألوان بين هذين اللونين حسب نسبة الخير والشر .

فهمت أيضا أن القرد الخبيث الذي يعيش الآن في الغيطان مع صاحبه ، خطف تلك المرآة ، لأنها استهوته كثيرا ، وأنهم يحاولون استرجاعها لئلا يقــوم القرد بكسرها فينشر سحرها بين الناس والحيوانات ، خاصة وأن القزم الذي قام بسحر هذه المرآة ليس بالبلدة ، ولكنه في رحلة إلي بلدة بعيدة ليجلب منها بعض العطور والأدوات التي تساعده في اختراعاته وأن الرحلة ستستغرق الكثير من الوقت ، مما يجعلهم غير قادرين على التخلص من السحر الذي بها لحين عودته.

قلقت ماهينور معهم ولطيبتها كانت ستنادي على أحدهم لتقول له أنها على استعداد لمساعدتهم لولا أن سمعت أحدهم يقول :
" إن وصل الخبر لأي من البشر عن طريق أحدكم سنقوم بحبسه لأن البشر كثيرو الكلام وقليلو الفائدة وسيقوم من سمع الخبر بنشره في البلدة وتزيد المشكلة ".
فسكتت ماهينور بمجرد سماعها لذلك وحمدت الله كثيرا لأنها لم تندفع فتخبرهم بذلك وتتسبب في أن تسجن .
وعلمت ماهينور أن للأقزام موعدا يتقابلون فيه نهاية كل أسبوع في الغيطان بجوار شجرة الجميز ولكنهم اختاروا هذا المكان اليوم لقلقهم من أن يكون القرد طليق في الغيطان فيؤذيهم .

ولكن ماهينور لم تستطع النوم حتى تسمع الحديث لنهايته لتعلم ماذا سيفعلون حتى أدركها النوم وهي تنظر من النافذة فنامت على حافتها .


الفصل الثاني

مروه تعلم السر

أستيقظ ماهينور على صوت والدتها وهي تصرخ ووجدت نفسها مازالت على حافة النافذة ولذلك ضحكت كثيرا وهي تحاول شرح موقفها قائلة :
" لن تصدقي يا أمي لقد كانت ليلة غريبة بالأمس .. لو تدعيني أشرح لكِ ما رأيت لاندهشت معي .. لقد بدأت الليلة بالبعوضة وانتهت بالأقزام ".

قاطعتها والدتها وهي تقول :
" كفى .. لا أريد أن أسمع مرة أخرى تلك الأحلام التي تتخيلينها .. لا أريد أقزام ولا بعوض ولكن أريد أن تبدئي يومك وتغتسلي وتمشطي شعرك وتغسلي أسنانك وتغيري ثيابك وتتناولي فطورك وتنسقي حجرتك وتساعديني بالمنزل و.. ".
نظرت الأم ل ماهينور لتجدها تعد على أصابعها الأوامر المختلفة التي تأمرها بها ومازال النعاس يداعب جفونها حتى أنها تكاد تفتح أعينها بصعوبة وكان المنظر مضحكا للغاية مما جعل الأم تضحك في منتصف حديثها وتخرج من الحجرة مبتسمة وهي تقول:

" حسنا استيقظي .. ما علينا إننا في أجازه ".

حاولت ماهينور أن تقنع والدتها أنها لم تكن تحلم بل أن موضوع الأقزام حقيقة واقعة ثم تذكرت ما قاله الأقزام من أن البشر يجب أن يفشوا السر فسكتت وقالت لوالدتها :
" سأستيقظ الآن يا أمي لا عليك ، وسأكف عن القصص والأحلام .".

قررت ماهينور أنها ستخبر "مروه فقط بالأقزام حتى لا يخرج السر عنهما بعد أن تساعد والدتها بالمنزل كما طلبت . مر نصف النهار حتى انتهت من مهمتها داخل المنزل . أسعدها أن مروه قد قامت بزيارتها وكانت في أشد الشغف لإخبارها بما رأته في حديقة المنزل ولذلك طلبت من أمها أن تقوما باللعب بجوار المنزل في الغيطان وهناك أخبرت ماهينور صديقتها ما سمعته ورأته ودهشت أن مروه لم تصدقها بل قالت لها :
ماهينور لقد أصبح خيالك في سعة السماء . من يصدق ما فلتيه ، أنه أبعد من الخيال نفسه يبدو إنك تقرئين العديد من الكتــب مما جعـلك تعيشين في الخيال ".

حزنت ماهينور لأن صديقتها الحميمة لا تصدقها ولذلك قالت لها :
" لا عليك ... لا أريدك أن تصدقيني .....كفاني أنني أصدق نفسي ".
ردت مروه قائلة :
"فأنتي صادقة إذن ....دعينا نرى أثار أقدام الأقزام لعلنا نعرف أين ذهبوا لعلنا نستطيع أن
نساعدهم !.".
تحمست ماهينور وقالت لها :
" من هنا تعالي كي أريك ... لقد رأيتهم بجانب نافذتي ".
دارت الفتاتان حول المنزل حتى وصلتا إلي المكان المجاور لحجرة ماهينور التي نظرت إلي الأرض في تمعن وصاحت قائلة :
" مروه تعالي من هنا .. تعالي ستجدي أثار أقدامهم .".

تقدمت مروه من المكان ونظرت لتجد آثار أقدام على الأرض لا تتعدى مساحة بصمة الإصبع وقالت مندهشة :
" إن شكلها مثل آثار أقدامنا ولكنـها صغيرة جدا ".
ردت ماهينور :
"نعم ألم أقل لكي أنهم في حجم عقلة الإصبع .؟. إنهم في غاية الغرابة ولكنهم يتحدثون بتعقل ".
زال الشك من نفس مروه حين رأت الآثار .فكرت الفتاتان أن تقوما بالبحث عنهم ومحاولة استرداد المرآة وإعادتها لهم ولكن دون أن يشعروا حتى لا يقوموا بحبسهم .

بدأت مروه و" ماهينور" في تتبع خطوات الأقزام ولذلك مشيتا منحنيتان . وعلى بعد بضعة أمتار من المنزل سمعتا ضحكات عالية . وقفتا ونظرتا إلي مكان الضحكات فوجدتا جيران "ماهينور " وزملائها في المدرسة " إبراهيم " و" سعيد " وهما يضحكان . قال " إبراهيم " :
" مسكينة ماهينور . رأيت مشيتها الجديدة مثل مشيت القرود ".
فرد سعيد :
" لا بل مثل مشيت العجائز ، لعلها أصبحت في عمر جدتي . سأناديها "ماهي ستو" بدلا من ماهينور.
نظرت إليهما مروه وهي تعلم أن ماهينور لن ترد عليهما وتأكدت من أن الكلام يضايقها حتى أن دموعها ظهرت في مقلتيها وقالت :
" يا للوقاحة .. ماذا تعلمتما في المدرسة ؟. أن تقوما بالسخرية من الناس والجيران . إن الجيران مثل الأخوة ".
قاطعها الولدان وقال أحدهم :
" نعم والنبي وصانا على سابع جار و ماهينور أول جار ".
استمرا في السخرية وتوقفت ماهينور ومروه عن البحث حتى يبتعدا وقالت ماهينور لمروه بصوت منخفض في أذنها :
"أهمليهما ليبتعدا فهما مسكينان ليس لديهما الثقة الكافية بنفسيهما فيحاولان السخرية من أي شخص حتى يقنعا أنفسهما أنهما أحسن منه ".
ردت مروه بهمس أيضا :
"ولكنهما وقحان ويجب أن يعرفا ذلك ".
حاولت ماهينور إقناعها قائلة :
" لعلهما يعتبرانها دعابة ".

سكتت البنتان حتى شعر الولدان بسخافتهما فابتعدا ولكن همس سعيد لإبراهيم قائلا :
" أنا أشعر أنهما تبحثان عن شئ لعله مبلغ من المال سقط منهما أو قطعة من
الذهب ".
رد إبراهيم قائلا :
إذا سنقوم بتتبعهما ونحاول العثور على الشيء المفقود قبلهما ونأخذه ولا نعطيه لهما إلا إذا قبلا
شروطنا ".
استفسر سعيد :
" وما هي شروطنا ؟.".
فكر إبراهيم قليلا ثم قال :
" أن تحترمانا وأن تساعدانا في حل واجباتنا المدرسية .. أو أي شرط نراه مناسبا ".

ظلت الفتاتان تمشيان في الطريق المتجه إلي الغيطان بجوار البلدة وسار الولدان خلفهما من بعيد وهما لا تعرفان .
هل ستكتشفان مكان الأقزام ؟.
هل سيعرف الولدان بأمرهما ؟.
ماذا سيفعل القرد بالمرآة ؟.
هل هناك سحرا بها ؟ .
هذا ما سنعرفه في الفصل القادم بإذن الله.

الفصل الثالث

المرآة و القرد

استمرت الفتاتان في السير وهما تبحثان عن آثار الأقزام وتتبعانها واستمر الصبيان في تتبعهما داخل الغيطان حتى وصلتا إلي مكان اختلطت فيه آثار الأقزام مع آثار أخرى عجيبة تشبه آثار الإنسان ولكنها لها أصابع طويلة فقالت ماهينور :
" اعتقد أنهم قابلوا القرد في هذه المنطقة ".
ردت مروه :
" هل تعــــني أن هـــذه الآثــار التي معهم هي آثار القرد ؟".
أجابت ماهينور :
" بالطبع فالقرد أصابعه أطول من الإنسان ومن الواضح أنهم قاموا بمعركة معه .. ألا ترين أن هناك العديد من الخطوات المنتشرة حول آثــار القرد ".
في تلك اللحظة اقترب الصبيان على قدر الإمكان ليسمعا الحديث الدائر بين الفتاتين ولكنهما لم يسمعا ما قالته الفتاتان .

نظرت الفتاتان حولهما تحاولان الوصول إلي بقية الآثار ولكنهما شعرتا أن الوقت يسرقهما وانهما ستتأخران على العودة للمنزل ولذلك قررتا أن تعودا إلي المنزل وتعاودا البحث مرة أخرى في ساعة لاحقة بعد أن تخبرا والدتهما بأنهما ستتأخران . وجد إبراهيم وسعيد أن الفتاتين قد وصلتا إلي نهاية البحث وأنهما ستعودان فإختبآ سريعا حتى لا تراهما الفتاتان .

عادت الفتاتان من حيث أتتا ولكن ظل الولدان يبحثان في نفس المكان مدة طويلة تسببت في مسح أقدام الأقزام والقرد بحيث يصعب على أي شخص بعد ذلك أن يراهم ولم يجدا أي مال أو ذهب كما توقعا . قرر الولدان أن يعودا إلي منزلهما وأن يظلا يتجسسان على ماهينور وصديقتها مروه في الفترة القادمة لعلهما يجدا وسيلة للضغط على الفتاتين.

وصلت ماهينور إلي منزلها وكانت تحاول إقناع مروه بالمبيت معها لعلهما تستطيعان معرفة بعض الأشياء الخاصة بالأقزام والمرآة ووافقت مروه على الفور ولكن كان عليهما أن تقنعا والدة مروه . طلبت ماهينور من والدتها أن توافق على أن تبيت صديقتها وأن تقنع والدة مروه بذلك . وافقت أم ماهينور على الفور لظنها أن ماهينور تشعر بالملل وأن وجود مروه قد يساعد على تخفيف ‏حدة الوحــدة عليهما .

ظلت ماهينور ومروه تتكتمان خبر الأقزام طوال الظهيرة حتى لا يعرف أحد بأمرهما وإلا قام الأقزام بحبسهما ولكنهما كانتا قلقتين على المرآة وفي اشد الخوف من أن يكون القرد قد أساء استخدامها .

في نفس الوقت قرر الصبيان بعد أن تناولا غذائهما أن يعودا إلي المكان الذي توقف فيه الفتاتان لعلهما يجدا الشيء المفقود قبل الفتاتين . خرج الصبيان من منزلهما متجهان إلي الغابة وفي الطريق لم يلاحظا أن هناك قردا أعلى الأشجار يتتبع خطواتهما وفي يده أجزاء من مرآة مكسورة . بدأ القرد في إصدار أصواتا عالية مما جعل الصبيان ينظران إلي أعلى في رعب فوجدا القرد يقذفهما بالمرآة المكسورة فأصابت ذراع سعيد وأصابت قدم إبراهيم .

فزع الصبيان ولكن لدهشتهما وجدا أن المرآة رشقت فيهما بدون ألم بل ولم يسل الدم منهما . نظر سعيد لإبراهيم وقال :
" هل تصدق ما ترى يا إبراهيم ".
فاجاب إبراهيم :
" والله لا أُصدق فالمرآة راشقة في قدمي ولا أَرى دماء ولا أَشعر بأي أَلم ".
وقال سعيد متعجبا :
" أنا أيضا لا أشعر بأي ألم في يدي .. يا للعجب ولا قطرة دم واحدة ".

نسي الصبيان القرد من هول المفاجأة وحاول كل منهما أَن يَنتزع المرآة من جسده فلم يجدا صعوبة في ذلك ولم تسل نقطة دم واحدة .
قال سعيد :
"أنا خائف ... ما أراه الآن ليس من المعقول ".

أجاب إبراهيم :
" دعنا نعد إلي المنزل ولا نخبر أحدا بذلك حتى لا يتهموننا بالجنون ".
فرد سعيد :
"بالطبع لن نخبر أحدا خاصة أنه لن يلاحظه أحد ".

جرى الصبيان إلي منزلهما مسرعين وهما في حالة من الخـــوف و الفزع حتى انهما لم يلاحظا أين ذهب القرد .

الفصل الرابع

القرد يلهو

ذهب القرد في اتجاه المولد في المنطقة الملتصقة بالغيطان وقفز أعلى مرجيحة ببعض من حركاته البهلوانية وشاهده صاحب المرجيحة فجرى خلفه يريد أن يمسكه ليعيده إلي صاحبه الغجري خاصة وانه كان يظنه هرب ويبحث عنه.

راوغ القرد صاحب المرجيحة وألقى عليه قطعة من المرآة المكسورة فرشقت في لسانه وهو يصيح. صعق الرجل ولبث فترة وهو يشعر بشيء في فمه ولكنه لا يؤلمه ولا يسل منه نقطة دماء واحدة.

أمسك الرجل بقطعة المرآة وألقى بها في الأرض وجرى خلف القرد بحبل حتى أمسكه وربطه بالحبل .

كان القرد ممسكا بأجزاء المرآة المكسورة في يده وظل يلهو بها فيلقي بها على المارة . ترشق تارة في يد طفل أو عين رجل أو قدم فتاة . حتى انتهت الأجزاء كلها.

كم كانت المفاجأة مذهلة لجميع الناس في المولد حين شاهدوا القرد وهو يقذف قطع المرآة فترشق ولا تحدث آلاما ولا تقطر الجراح دماء. ظل الناس في حيرة ولكن عدم وجود الألم أشعرهم أن الموضوع كله مرحة أو شبه دعابة حتى مر المساء واستيقظ الجميع فكانت المفاجأة الحقيقية.


الفصل الخامس

أين المفر

أستيقظ إبراهيم على حركة عصبية في قدمه فوجدها تتحرك وحدها كأنها تركل الهواء فذهل للحظات وأخيرا ظن أنها تعاني من تقلصات بسبب لعبه الدائم لكرة القدم . نهض من فراشه وهو يركل ويركل .فحدث نفسه متسائلا :
" ما هذا .. أول مرة تصيبني مثل هذه التقلصات .؟ .. هل كرة القدم هي السبب يا ترى .. أم مرض أصابني بحركة عصبية ".

بحث إبراهيم عن أمه ليخبرها بذلك فلم يجدها ووجد ورقة صغيرة بالمطبخ تخبره أنها عند خالته (والدة سعيد) وأنها ستقضي اليوم هناك وعليه أن يحضر إليها هناك .

ارتدى إبراهيم ملابسه بصعوبة لان قدمه التي تركل كانت تركل كل شئ . ركلت الدولاب حين حاول فتحه: وركلت السرير حين حاول الجلوس لارتداء الشراب ، وركلت الباب عند الخروج .

قال إبراهيم لنفسه :
" أنا خائف أن تراني ماهينور على هذه الصورة ستكون اللحظة المناسبة للانتقام مني والسخرية مني .. علمت الآن كيف يكون شعور الشخص الذي اسخر منه !. ولحسن حظي أن خالتي تقطن قريبا جدا مننا وإلا كان علي أن اعبر القرية كلها قبل أن اصل ".

في نفس اليوم كانت ماهينور مستيقظة منذ الصباح الباكر لتبحث من جديد على ما يدلها على مكان الأقزام أو القرد ولذلك كانت هي ومروه داخل الغيطان القريبة وسط الأشجار تحاولان أن تجدا آثارا جديدة .

في نفس الوقت استيقظ سعيد وهو يشعر أن يده تؤلمه قليلا وتتحرك بطريقة عصبية جدا وكأنه يضرب ووجد نفسه يضرب حرف السرير بيده طوال الوقت .
قال سعيد لنفسه :
" ما هذا الذي يحدث بيدي ؟.. أنها تتحرك بطريقة عصبية ولا أستطيع أن أوقفها !.. يا للعجب يجب أن أقول لامي لعله مرض خطير !".
قام سعيد من السرير ليذهب إلي الحمام فوجد أنه يضرب السرير والحائط وباب الغرفة !. كل هذا ولا يعلم السبب .

مر إبراهيم من أمام منزل ماهينور فرأته والدتها وهو يركل الطوب في الأرض ويركل دجاجة في الطريق وان لم يجد ما يركله فيركل حوائط المنازل والماعز.

نادت والدة ماهينور إبراهيم وهي تقول :
" يا إبراهيم تعال هنا .. ما الذي تفعله ؟ كف عن هذا ".
وتمتمت قائلة :
" فعلا " ماهينور" لديها بعض الحق في الغضب من هذا الطفل الغريب !.أنه يركل كل شئ !. يا له من طفل شئ و شرير.".

جرى إبراهيم بعيدا حين سمع صوت والدة ماهينور وهو يقول محرجا مما يفعله:
"صباح الخير .. أنا آسف إن والدتي تنتظرني عند خالتي وتأخرت عليها ".

وصل "إبراهيم ولم يكن "سعيد" قد خرج من الحمام بعد ولذلك فتح له أخاه الأكبر وقال لإبراهيم مرحبا به :
" صباح الخير يا إبراهيم كيف حالك في الإجازة الست احسن حالا من المدرسة ".

ما كان من إبراهيم ألا أن ركله في رجله ودخل مسرعا إلي حجرة سعيد وسمع أخا سعيد وهو يصيح ساخطا غاضبانا :
" كيف تركلني يا إبراهيم ؟. ما كل هذا الأدب يا ابن خالتي ؟. أتستطيع أن أعلمك الأدب حالا إذا أردت ".

كان ابن خالة إبراهيم كبير الحجم قوي العضلات مما أخاف إبراهيم وجعل قدمه تركل اكثر فدخل حجرة سعيد واغلق الباب وهو ينادي عليه . دخل سعيد الحجرة فما أن رآه حتى صار إبراهيم يركل سعيد ... وسعيد يصفع إبراهيم ولا أحد منهما يعلم السبب الحقيقي.

في نفس اللحظة كان كل من أصابته المرآة في حيرة من التصرفات الغريبة التي تحدث له !.. فصاحب المرجيحة الذي أصابته المرآة في فمه اصبح يسب ويصرخ في كل من حوله ومن أصابته المرآة في يده يضرب ومن أصابته في قدمه يركل وظهرت عليهم علامات الشر للشر ( أي دون هدف من الشر ) .. كل هذا ومازالت ماهينور في الغيطان ولا أحد يدري ما السبب في كل هذا.

صرخت مروه وهي تنادي ماهينور قائلة :
" ما هذا يا ماهينور تعالي لتري هناك مفاجأة رهيبة .

الفصل السادس

انكشف السر

جرت ماهينور إلي المكان الذي أشارت إليه مروه فوجدت قطع من مرآة مكسورة ومبعثرة فشهقت خائفة وهي تقول :
" لقد تكسرت المرآة يا ربي .. أنها كارثة .. أنها سحرية وفي حالة كسرها سينعكس سحرها .. أنا خائفة؟."
حاولت مروه تهدئة ماهينور وقالت دعينا نرى أين تذهب الآثار لنرى ماذا حدث لمن لمسته هذه
المرآة . لم تستطع الفتاتان تتبع آثار القرد لأنه لا يسير على الأرض ولكنهما تتبعتا آثار إبراهيم وسعيد دون أن تعلما فوجدتا أنفسهما أمام منزل ماهينور فاحتارتا هل هي آثار أقدام غريبة أم آثارهما ولكن ماهينور رجحت أنها آثار أقدام جيرانها لأنها مختلفة عن حجم قدماهما.

عادت ماهينور لمنزلها مع مروه لترتاحا بعد مجهود البحث فوجدتا والدة ماهينور في المطبخ تعد الغذاء وما أن رأت ماهينور حتى أخبرتها بجارهما الشرير الذي يقوم بركل كل ما يقابله بلا رحمة وردت ماهينور قائلة :
" أنا أعلم أن إبراهيم فتى غير مهذب ولكنني لم أره يؤذي الحيوانات بالقسوة التي وصفتها من قبل ؟.. لعله كان غاضبا بعض الشيء ".
ولكن والدة ماهينور أجابت :
" على العكس فقد ألقى على الصباح وهو يركل كل شئ ولم يكن وجهه غاضبا ".

تبادلت مروه و ماهينور النظرات وكادت ماهينور أن تعلق إلا أن نظرات مروه لها ذكرتها بان سر المرآة لا يجب أن يعلمه بشر ولكن بعد أن فكرت ماهينور بعض الشيء وجدت أن والدتها قد تستطيع مساعدتها في حل هذه المشكلة ولذلك قالت لمروه بصوت خافت بعض الشيء :
" اعتقد أن أمي قد تساعدنا في أيجاد حل دون أن نتعرض للأذى ".
سألتهما والدة ماهينور :
" ما هذا الذي تتحدثان عنه ؟."

أجابت مروه :
" أنها قصة الأقزام ولكننا نعلم انك لا تصدقينها ولكن أقسم بالله إنني رأيت آثار أقدامهم بجوار المنزل ورأيت المرآة المكسورة ".
أضافت ماهينور :
" الله يعلم يا أمي أنني صادقة .. لقد سمعتهم ورأيتهم ولم تكن أحلام !.. أتمنى أن تساعديننا في حل مشكلة المرآة ".

سألت الأم عن القصة بعد أن شعرت من نبرات الفتاتين أنهما صادقتان وأخبرتاها عما رأتاه في الغيطان وأن آثار الأقدام انتهت عند منزل جيرانها فقالت الأم :
" لعل ذلك هو ما جعل تصرف إبراهيم غريبا اليوم!.. دعنا نحاول زيارة خالة إبراهيم ووالدة سعيد لنرى هل هناك ما يدعو للريب أم أنها مجرد لحظات من القلق انتابت إبراهيم ".


الفصل السابع

ألوان الشر

أرسلت والدة سعيد ابنها الأكبر إلي والدة ماهينور تطلب منها المجيء إلي منزلها . سألت والدة ماهينور الابن عن أحوال أخيه في إجازة نهاية العام فقال لها إنه يلعب مع إبراهيم في حجرتهما منذ الصباح ولا يعلم ما أصابهما فانهما لا يريدان الخروج من الحجرة و أغلقاها من الداخل وهو أمر يزعج الجميع كثيرا . أخبرته والدة ماهينور أنها ستحضر لزيارتهم ومعها ابنتها ماهينور وصديقتها مروه لعل الفتاتين يحاولان معها إقناع الفتيان أن يفتحا الباب .

في أقل من ربع الساعة كانت ماهينور ووالدتها وصديقتها عند خالة إبراهيم ووالدة سعيد فوجدتاها في غاية القلق ولذلك سألتها ماهينور لتتعجل الأمور:
" كيف حالك يا خالتي وكيف حال زملائنا ".
ردت والدة سعيد قائلة :
"لا أدري يا ماهينور ولعلك تدرين .. اذهبي لهما في حجرتهما إن وافقا على فتحها !".
ذهبت ماهينور ومروه مسرعتين إلي الحجرة التي أشارت إليها الأم وطرقتا الباب قائلتين :
" إبراهيم ... "سعيد" افتحا الباب نحن ماهينور ومروه نريد التحدث معكما عن المرآة ".

ما أن سمع الفتيان هذا التعليق حتى فتحا الباب وجذبا الفتاتين إلي داخل الحجرة واغلقا الباب مسرعين وهما في حالة قلق وذعر غريبة ومما زاد من دهشة ماهينور ومروه هو أن لون ذراع سعيد كانت حمراء ولون قدم إبراهيم حمراء أيضا وباقي جسميهما اخضر وكان كل منهما يصفع ويركل الآخر.

ضحكت الفتاتان من المنظر ولكنهما اعتذرتا بعد ذلك وقالت ماهينور :-
" ما بالكما إن لونك يا "سعيد" غريب جدا وأنت يا "إبراهيم لونك أيضا عجيب ".
رد " إبراهيم ":
" اتركي التعليقات واخبرينا عن المرآة كيف علمت بها ؟.. هل كنت بالغيطان حين رماها علينا القرد "
علق "سعيد":
" هل هناك شيئا ما في هذه المرآة ".

أجابت ماهينور قائلة :
نعم إنها مرآة سحرية
"سـســـــــــســـــــــســـــــــسـحرية !!! ".

صرخ الفتيان واكملا :
وما العمل هل سنظل مسحورين للابد ".

سمع الفتية صوت من الخارج يناديهم :
" تعالوا جميعا البلد بها هرج كبير ".

فتح الفتية الباب ليجدوا أن الجميع متجمعون على شرفة غرفة الجلوس و ينظرون من النافذة ليجدوا الناس في الشارع ما بين رجل اخضر يسب ورجل اخضر يضرب وطفل اخضر يركل وامرأة خضراء تصفع وللغرابة فان الأطراف التي تقوم بذلك لونها احمر غريب مختلف عن بقية الجسم .

نظرت ماهينور إلي مروه ثم إلي والدتها ثم قرر الثلاثة الانسحاب من المنزل بهدوء ليتدارسوا الأمر .
بدأت ماهينور الحديث بعد وصولهن إلي المنزل مسرعات قائلة :

أن الخبر الآن لم يعد سرا ويجب أن نصل للأقزام قبل أن يسوء الحال اكثر من ذلك فالسحر الآن معكوس ويجب أن نعالجه قبل حدوث ما هو اكثر .

علقت والدة ماهينور قائلة :
وكيف نصل إليهم لقد حاولت أنت ومروه ولم تصلا إلي مكانهم .
ردت مروه قائلة
لقد قالت لي ماهينور أن لهم اجتماعا كل يوم خميس تحت شجرة الجميز بالغيطان ولذلك يمكننا الذهاب إليهم وطلب مساعدتهم .

تدارسن جميعا إمكانية أن تذهبن يوم الخميس إلي الغيطان بجوار شجرة الجميز لمقابلة الأقزام وكان اليوم هو السبت وشعرت الأم أن يوم الخميس بعيد وحالة الهرج ستزيد ولا يعلم أحد إلي ماذا ستصل الأمور .

اقترحت الأم أن يذهبن كل يوم لعل الأقزام شعرت بالتطورات التي حدثت وقد تفيد ولذلك قامت الأم بإعطاء الفتاتين بعض الطعام والشراب وأرسلتهم إلي الغيطان لتجلسا داخل مبنى قديم من الطوب اللبن والذي كان يستخدم في الماضي لتربية المواشي .

الفصل الثامن

لقاء الأقزام

مشت الفتاتان إلي الغيطان وكان المولد على مرمى البصر وذلك مما أشعرهما انهما ليستا وحيدتين في الظلام وجلستا داخل المبنى القديم وتحدثتا عما يحدث وهما متعجبتان . مر الوقت أزف الليل وسكنت حركة الحياة ما عدا أصوات الناس تأتي من بعيد داخل المولد.

بدأت ماهينور الاستعداد للذهاب إلي شجرة الجميز فأطفأت اللمبة بيدها ومشت هي ومروه بهدوء حتى اقتربتا من الشجرة فسمعتا همسا بين أشخاص فأشارت ماهينور ل مروه بأن تصمت وتقترب بحذر حتى لا تقلق الأقزام .

سمعت مروه و ماهينور الحديث الذي كان يدور حول القرد وأحداث القرية وان القزم الساحر على وشك الوصول إلي القرية من سفره وطلبه لبعض المواد الخاصة بالسحر وبدأت ماهينور في التحدث بصوت خافت لكي لا تزعجهم وقالت :
"السلام عليكم ورحمة الله وبركاته".

لم يكن رد فعل الأقزام في الحسبان إذ أن ماهينور فوجئت بالأقزام تتجه إليها ويحمل رئيسهم معه بعض الرمال فيقذفها بها . ومن المذهل أن ماهينور أصابها النعاس فجأة ووجدت مروه انه ليس من المناسب أن تظهر وإلا سيحدث معها مثلما حدث مع ماهينور. ظلت مروه تراقب ما يحدث عن بعد ووجدت أن القزم الذي ألقى عليها سحره يتحدث مع ماهينور وهي مغمضة الجفون .
" لعله أنا مها مغناطيسيا " قالت مروه لنفسها " لنرى ماذا سيسألونها ".

تقدم القزم الكبير من ماهينور وهو يتحدث معها :
" من أنت وكيف علمت بوجودنا ".
أجابت ماهينور :
"أنا ماهينور ولقد سمعتكم من النافذة ".
اكمل القزم الأسئلة :
"ماذا أتى بك هنا هل في نيتك السوء".

أجابت ماهينور بهدوء
"لا أنا جئت للمساعدة ومعي مروه ولا نريد بكم السوء ولكنكم أقزام ولا تستطيعون الحركة بسهولة وسط الناس ".

شعرت مروه بالخوف الشديد وكانت على وشك الإغماء ولكنها تماسكت حتى يمكنها الذهاب إلي القرية لطلب المساعدة ولكن الأقزام كانوا في غاية الذكاء وعلموا مكان اختبائها بسهولة وذلك من أصوات تنفسها حسبما قالوا بعد ذلك لأنهم من الصغر بحيث أن كل شئ بالنسبة لهم مكبرا حتى الأصوات .

صرخت مروه حينما شعرت أن الأقزام قادمون و أغمضت عينها حتى لا يصيبها الغبار وهي تقول :
"أرجوكم إننا هنا للمساعدة فقط اتركونا نساعدكم فلقد كنا نعلم منذ أيام ولم نفصح لأحد عن المرآة والقرد و أردنا المجيء هنا لإخباركم بما يحدث ".
قال كبير الأقزام وشيخهم :
" اتركوها .. دعوها فيمكنهم مساعدتنا فعلا ".

فتحت مروه عينها لترى القزم ولكنه باغتها بالرمال في عينها ونعست هي الأخرى فلم تدرى ماذا حدث بعد ذلك .

فتحت الفتاتان أعينهما فوجدتا أنفسهما مربوطتين بالحبال داخل حظيرة مهجورة وأمامهما الأقزام وتحدث القزم الكبير قائلا :
" ناسف لأسركما لدينا فلقد خفنا أن تكونا من البشر المؤذيين ولكننا تأكدنا من صدقكما باختبارات الصدق وعلمنا أن والدة ماهينور هي الأخرى على علم أليس كذلك وكذلك سعيد وإبراهيم علما بأمر السحر " .

ردت مروه بخجل :
" نعم ولكننا اخبرنا والدة ماهينور لعلمنا أنها ستساعدنا هي أيضا وسعيد وإبراهيم لأنهم كانا مذعورين ".
قال كبيرهم :
ولكن لتكن والدة ماهينور آخر من يعلم بأمرنا أما أمر السحر فيمكن أخبار سعيد وإبراهيم بأنكما كنتما تتخيلان والآن يجب أن ندرس الخطة التي سنتبعها لحل هذه المشكلة
العويصة ".
نظر إلي بقية الأقزام وطلب منهم أن يحلوا وثاق الفتاتين ولكن بحرص وطلب من الفتاتين ألا تقوما بحركة مفاجأة حتى لا تصيبا الأقزام دون قصد . وبدأ القزم في تدبير الطريقة التي سيستقبلون بها القزم الساحر وكيف سيقومون بإعداد المادة السحرية التي ستنقذ الناس من شر المرآة .

طلبت ماهينور من الأقزام أخبارها بالمواد المطلوبة ولكنها وجدت أن طلبهم غاية في الصعوبة فلقد كان من ضمن المكونات جزء من فروه القرد الذي قام بكسر المرآة خاصة وان صاحب القرد شخصا كريه المظهر وحاد الطباع .

درس الأقزام مع ماهينور وصديقتها الطريقة التي يمكنهم إتباعها لكي يخلصوا القرية من هذا السحر الغريب ويبدأ ذلك بان تقوم الفتاتان بإحضار جزء من فروه القرد ولذلك كان عليهما أن تباغتا صاحب القرد لتنفرد أحدهما بقرده وتقص جزء من الفراء . ترك الأقزام ماهينور وصديقتها تذهبان إلي المولد بعد أن أعطياهما بعض من أصابع الموز لإغراء القرد ومقصا صغيرا لتتمكن أي من الفتاتين من قص جزء من فروه القرد.

سارت الفتاتان إلي في اتجاه المولد وذلك لكي تريا القرد وفي أيديهما أصابع الموز ولكن تكونا تتوقعان ظهور القرد إلي وسط الأشجار وتسبب في إخافتهما فجريتا بين الحقول والقرد يجري خلفهما حتى اقترب من ماهينور وقفز فوقها وامسك بالموز . صرخت ماهينور ومروه ولحسن حظهما حضر بعض الأهالي ولكن كانت فروه القرد قد اشتبكت بأزرار رداء ماهينور ولذلك لزم أن تقوم مروه بقص الفروة بالمقص الذي لديها ونادى الأهالي على صاحب القرد ليستلمه وعرفت الفتاتان أن القرد مازال هاربا وانهما السبب في إعادته إلي
صاحبه . عادت ماهينور إلي الغيطان هي وصديقتها لكي تعطيا الأقزام ما تمكنتا من الحصول عليه .
طلب الأقزام من الفتاتين أن ترتاحا لمدة يومان حتى يتمكن القزم الساحر من إعداد الخلطة السحرية اللازمة لشفاء الناس من السحر . واخبرهم الأقزام انهم سيقومون بأخبارهم عن طريق نافذة ماهينور مساءا بعد ظهور القمر حيث إنها ليالي قمرية .
ولكن لنرى هل سيتمكن الأقزام من الحصول على السحر المضاد !!!.
الفصل التاسع

السحر المضاد

عادت الفتاتان إلي منزل ماهينور وهما مجهدتان ونامتا إلي الصباح دون حركة وذلك بعد أن أخبرتا والدة ماهينور بما تم . حضر كل من إبراهيم وسعيد إلي منزل ماهينور للاستفسار عن المرآة السحرية ولكن لم تدعهم والدة ماهينور لمقابلتهما أخبرتهما أن المرآة السحرية هي قصة من تأليف ماهينور وأنها من كثرة الملل تختلق القصص في فترة الصيف. رغم عدم تصديقهم لقصة الوالدة و اضطرا للعودة إلي المنزل لأنهما كانا قد سئما من كثرة ضربهما لبعضهما البعض .

ظلت ماهينور ومروه طوال النهار في حالة من القلق في انتظار رد الأقزام وما أن جاء المساء حتى ذهبت الفتاتان إلي حجرة نوم ماهينور ومر الوقت بطيئا حتى سمعتا من ينادي من خارج الحجرة أسرعتا إلي النافذة لتجدا الأقزام وهم يطلبون رؤيتهما .

أسرعت الفتاتان إلي الباب الخارجي والتقتا بالأقزام وتبادلوا الأحاديث وعلمت الفتاتان أن القزم الساحر تمكن من الحضور وعمل هذا السحر ولكن المشكلة الكبرى هي أن الشخص الذي أصابه السحر يجب أن يقوم بمسح المنطقة التي أصابتها المرآة . طلب القزم الكبير من ماهينور أن تخبرهم بمكان منزل سعيد أو إبراهيم . أشارت ماهينور إلي منزل زميلها. قال القزم الكبير أن هناك مشكلة في الوصول إلي إبراهيم ولذلك فطلب من ماهينور أن تساعدهم هي وصديقتها مروه .

كانت الليلة مظلمة مما أخاف ماهينور من الخروج من المنزل وأرادت أن تساعد الأقزام ولذلك استأذنتهم أن تسأل والدتها وقلبها يرجف . ذهبت ماهينور بخفة إلي حجرة والدتها وربتت على كتفها حتى فتحت الأم عيناها وتساءلت عن سبب إيقاظ ماهينور لها وعندما علمت بأمر الأقزام أفاقت أعطت ماهينور "بطارية كاشفة " لتستخدمها في الظلام وذلك لعلمها بأمان القرية وعدم وجود خطر على ابنتها من الذهاب مع الأقزام .

عادت ماهينور إلي حجرتها و أخبرت مروه بموافقة والدتها وكان عليهم الاستعداد للذهاب مع الأقزام . فتحت ماهينور باب منزلها وخرجت بخفة هي وصديقتها إلي خارج المنزل وفي يدها بطارية الضوء الكاشف . كانت تجربة جديدة لماهينور أن تخرج في الظلام وكادت تسمع صوت ضربات قلبها ولكنها تماسكت حتى لا تشعر مروه ولا الأقزام بخوفها .

في نفس اللحظة كانت الأم تنظر من نافذة المنزل وتتابع ابنتها والمجموعة خاصة وان منزل إبراهيم على مقربة من منزلهم . اقتربت ماهينور من نافذة حجرة إبراهيم ووجدتها نصف مغلقة ولذلك أخذت تساعد الأقزام في الدخول إلي المنزل و أشارت إلي رجلها لتعلم الأقزام أن رجل إبراهيم هي التي تعرضت للإصابة بالمرآة .

دخل الأقزام وقام كبيرهم بالقفز إلي سرير إبراهيم ووضع بعض نقاط من السائل السحري الذي حصل عليه على رجل إبراهيم وقفز من السرير إلي الأرض مستخدما عباءته كبارا شوت . عاد الأقزام إلي النافذة وساعدتهم ماهينور على النزول إلي الأرض مرة أخرى ولكن طلبت منهم أن يتحدثوا معا ليتمكنوا من استنتاج طريقة افضل لمحو آثار السحر لأنها لا تعلم كل من أصابته المرأة بالإضافة إلي أن من الصعب الوصول إلي كل شخص داخل منزله .

ذهب الأقزام إلي شرفة منزل ماهينور وجلسوا قليلا ليتباحثوا هذا الأمر وفي النهاية . وصل الجميع إلي قرار وهو انهم سيستخدمون مياه الترعة الأساسية لان أهل القرية يستخدمونها في استحمامهم . اقترح القزم الكبير انه يمكن إضافة السائل إلي مياه الخزان يوم الجمعة لان اغلب أهل القرية يستحمون يوم الجمعة قبل الصلاة . اتفق الجميع على هذا الرأي ولكنهم فجأة سمعوا صريخا من جهة بيت إبراهيم !!! .
ما هذا ! هل حدث لإبراهيم شئ من اثر السائل السحري !! .


الفصل العاشر

ألوان الشر

قامت الفتاتان على عجل إلي منزل إبراهيم ولكن لم تتكرر الصرخة وسمع الجميع صوت والدة إبراهيم داخل الحجرة وهي تتحدث مع إبراهيم قائلة :
" أما زالت الأحلام المزعجة تأتيك كل ليلة .... اشرب بعضا من هذا الحليب واقرأ القرآن وحاول النوم ".
أجاب إبراهيم :
" نعم يا أمي لقد حلمت أن هناك أشخاص في حجرتي ولم أتبين شكلهم وفزعت لأنني أظنهم
لصوص ".
قالت الأم :
" لا داعي للقلق فان القرية آمنة وليس بها أي لصوص ... حاول النوم الآن فعصبيتك تتسبب في كثرة حركة قدمك ".

علمت ماهينور والجميع أن إبراهيم تعرض لكابوس ولذلك عادوا إلي منزلهم وقد عقدوا العزم على تنفيذ الخطة يوم الجمعة . طلبت ماهينور من الأقزام أن يقوموا بتجربة السائل على الأقزام حتى تتأكد من انه لا ضرر منه على من لم تصبهم المرآة . تفرق الجميع وعادت ماهينور ومروه إلي حجرة النوم وهما في غاية التوتر من التجربة التي مرتا بها وفي الطريق إلي الحجرة وصل إليهما صوت من داخل ظلام المنزل أمسكت الفتاتان بعضهما البعض وكتمتا أنفاسهما ووجدتا أن الصوت هو صوت والدة ماهينور تقول :
" ماذا فعلتما يا أحبائي ! ... هل تمكنتم من مساعدة الأقزام ".
تنفست ماهينور وصديقتها الصعداء و أخبرتا الأم بما حدث وانتهت الليلة المدهشة على هذه الأحداث .

جاء يوم الجمعة واستعد الجميع لتنفيذ الخطة فاستيقظت ماهينور ومروه في الصباح الباكر وذهبتا إلي الغيطان بحثا عن الأقزام . التقى الأقزام مع الفتاتين بجوار مبنى تربية
المواشي ، واحضر كبيرهم السائل وذهب الجميع إلي مكان الخزان الذي يستخدمه أهل القرية ووضعوا بعضا من السائل بمساعدة ماهينور ومروه لان الخزان كان عاليا جدا علي الأقزام ولذلك أخذت ماهينور كبير الأقزام على كتفها وصعدت على سلم الخزان وتمكن القزم من التحرك بعد ذلك و أتم خططه . كان ذلك ومروه تراقب الطريق وترى هل يراهم أحد . عادت الفتاتان إلي المنزل و أخبرتا الأم بما حدث وترقب الجميع ماذا سيحدث عند الصلاة .

وقف جميع من في منزل ماهينور في الشرفة ليشاهدوا تأثير السائل على القرية وفجأة نظرت ماهينور في اتجاه منزل إبراهيم لترى شيئا عجبا !..... أن إبراهيم اصبح احمر اللون !!! ما هذا ؟. هل تصدق ماهينور ما ترى ؟.. وبدأت في الضحك وتبعتها مروه و الأم والأب وبدأ الناس في الظهور في طريقهم إلي المسجد وهم بين الأحمر والأخضر. واستنتجت ماهينور أن هذه الألوان المتدرجة بين الأحمر والأخضر ما هي إلا التدرج بين الخير والشر في الناس .

ظلت ماهينور تتابع الناس وتقول :
" عم احمد رجل طيب ... وعم سليمان رجل شرير ..".
ترد مروه :
" أم على سيدة طيبة ... ونبيلة شريرة جدا .. ألا تري اللون الأحمر القاني الذي اكتسبته ".
ظلت الفتاتان هكذا حتى سمعتا الآذان من الجامع وبدأ الناس في التجمع أمام الجامع لشكهم أن هناك شيئا غامضا يحدث بالقرية ولذلك أرادوا أن يقوم شيخ القرية بمساعدتهم في كشف هذا الشر .

توسط الشيخ الساحة التي أمام الجامع وقال للجميع لنستمع إلي الخطبة لعل الله يكشف عنكم هذه الغمة . دخل الشيخ الجامع وبدأ في الخطبة والقرية كلها داخل وخارج الجامع ومعهم ماهينور ومروه . سرد الشيخ بعض المواعظ وكيف أن الله يبعث غضبه على الناس وخاصة الشرير منهم وطلب منهم الدعاء إلي الله ليبعد هذا الشر . صلى الجميع وبدأت الأشخاص ذات اللون الأحمر تبهت ألوانها قليلا .

بعد انتهاء الصلاة همست ماهينور في أذن صديقتها :
" ألا تري أن الألوان بهتت .. لعلهم اصبحوا أخيار " .
أجابت مروه :
" ولكن أنت قلت أن اللون الأخضر لون الخير ".
قالت ماهينور لمروه
" ولكننا لم نجرب المياه !.. هل تخافين لمسها " .
أجابت مروه :
" كيف ونحن من وضعها بالماء ؟... هل نرضى للناس ما لا ترضاه لأنفسنا ؟.. علينا الاستحمام لكي نصبح مثلهم ".
ذهبت الفتاتان إلي المنزل واغتسلت كل منهما ولكن الغريب أن لونهما لم يتغير !!....

اندهشت ماهينور وأرادت أن تعرف السر ولذلك ذهبت إلي الغيطان لتسأل الأقزام . وجدت الأقزام بجانب الجميز وتساءلت مندهشة :
" ماذا حدث ؟.. أن الناس تغير لونها وبعد الصلاة تغير الحال ولم تعد تظهر الألوان . ".

أجاب حكيمهم :
" أن السحر يبطل بالقرآن ولم نكن نعلم ذلك من قبل ولذلك فإننا قررنا عدم اللجوء إلي السحر مرة أخرى لعدم جلب الشر للناس وعليك بالصلاة يا ماهينور وداومي عليها ليحفظك الله . وان الله لا يترك عبده المؤمن ".

سكتت الفتاتان وتمعنتا في كلامه وقالت كل منهما :

" الحمد لله رب العالمين ".

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

علامة الاذن التيسير

يجب التمهيد لوجود برص في البيت

الانسان تاريخ