الفصل الثالث والعشرين - الثعابين في بيت الاسد


 (23)
جلس مهدي أمام وجيدة وهو ينظر إليها وهي تتحدث بالفرنسية كما كانت تتحدث والدته بطلاقة فكلاهما يستخدم الفرنسية ليشعر الآخرين برقي شأنه و حسن أصله ، نظر مهدي لصافيناز وهي تأكل قطعا صغيرة من الأوردوفر وكأنه أمام لوحة جميلة ، كان يبتسم ابتسامة صغيرة طوال الوقت وهو يسمعها تتحدث ، لكم شبهته بوالدته وهي تتحدث بثقة ، حتى جمالها المتآكل مع الزمن أعطاه شعور بأنها في الماضي .
لمس يدها و تحسس الجلد الناعم الرقيق و التجاعيد الظاهرة من العروق النافرة في يدها و أمسك بها وقبلها فهي ، شعر أنها تعطيه قوة غريبة ، انها تعيده لزمن كان فيه في قمة القوة والجبروت ، شعر بأمان لم يشعر به منذ كان في فرنسا.
صمت مهدي وهو يأكل الفطر (شامبنيون) لانه تذكر حين كانت والدته تقوم بطهيه خصيصا لبعض البشوات الذين عاشوا في الخارج وتباهو بان دمهم ليس مصري صميم وانه يندرج تحت بند الشراكسة او الاتراك وكان يأكل معهم تلك الاكلات ويستطعمها الا انه عندما عاد من فرنسا في السبعينيات لم يجد اي من تلك الاسماء وتلك الوجبات ولم يكن هناك الا طوابير لكل شيء نأكله من الخبز إلى اللحم
ندم مهدي لأنه لم يرسل لوالدته لا خطاب ولا مال بل وصل لأنه لم يرد حتى أن يعرف أخبارها ، وحين عاد لم يجد منزله القديم ، بل وجد بعض العمارات الكبيرة تملأ الأفق و لم يجد من يدله على مكانها  ، شعر أنه خانها وهي التي أوجدت له فرصة السفر ايا كانت الطريقة التي اتبعتها .
أفاق من ذكرياته على وجيدة تقول :
" أنا أريد أن أرى طبيبا نفسيا ، أنا لا أريد أن تهتز أعصابي و حياتي ،  أموالي كلها مبنية على تماسكي "
 أجاب مهدي :
" لا حاجة لطبيب ، أنت أقوى من ذلك ، أنا أعلم أنك ستقومين بكل ما تريدينه و أنت بكامل قوتك ، لا تتراجعي ".
ظلت وجيدة ترتب مع مهدي خطة عمل ، بالخطوات وهو لا يتحدث كثيرا و لكنهما اتفقا في النهاية على كل ما يريدان و أمسك مهدي بيدها مجاملا:
" أنا اليوم أشعر بأنني طفل مبتهج مع لعبتي الجميلة ، أنا أريد أن أحضنك و أضع رأسي بجوار قلبك لأسمع دقاته و أنكمش بين أحضانك "
ابتسمت وجيدة وقالت بذكاء :
" أنا لست والدتك و لا لعبة بيدك تلهو بها يا مهدي ، أنت شريك عمل و أريد أن أستمر في علاقتي بك على هذا النحو فلننسى الماضي تماما ونعيش اليوم ".
ضحك مهدي بصوت عال فوجيدة شعرت بان حبه لها يلامسه بعض الأمومة بلا شهوة ، لكنها لا تعتبر ان اي مجاملة في حقها اهانة بل اعتبرت الحديث الجميل الذي يفصح عنه مهدي بين الوقت والثاني يأتي كالحلو من الطعام ، تحلية خفيفة بلا عشاء ثقيل.
سألت وجيدة :
" و ماذا سيفعل حنفي في رأيك ، هل سيسبب مشاكل"
ابتسم مهدي بثقة وأكد لها أن حنفي الآن نشاطه محليا و لن يتأثر بوجود منافسين عالميين له ، كما أن شركة الأدوية تؤمن له المستقبل.
انتفض مهدي حين علم بعلاقة مازن بالصحفي المشهور عماد وقالها بعنف وسط سهرة من المجاملات والابتسامات المرسومة :
" ابن الجنية ، كيف تعرف على هذا الثعلب ، انا لا احب ان يصادق مازن احدا من هؤلاء الناشطون ، اكرههم ، لا يأتي من وراءهم إلا المصائب "
ضحكت وجيدة ضحكة مصطنعة وهي تنظر حولها لتتأكد من أن ضحكاتها سمعت في آخر المطعم الفاخر ولتثبت للجميع وأولهم العاملون بالمكان انها تستمتع بوقتها مع مهدي ثم قالت :
" كل ما يفعله هؤلاء الثعالب هو كلام ، حبر على ورق ، ما الخوف من ثعلب لو كان جحر الثعابين كله في بيت الاسد "
وأكملت ضحكها وهي تقول: " الاسد هاهاهاها  "
خرج مهدي بعد عدة ساعات بعد ترتيب كل ما اراده هو ووجيدة  ولكنه كان مشغول البال مشتت الفكر فمازن ليس سهلا وعلاقته بهؤلاء مثيرة للشبهة
رأى مهدي سعيد وحيدا في السيارة فقال له :
" أين خميس ؟ ، أريده أن يذهب إلى منزل وجيده هانم ليجلب لي شيئا من عندها "
أجاب سعيد :
" لا أعلم ، كان يتحدث في الهاتف و أسرع مبتعدا ، لعل لديه طارئ في البيت ! ، أنا تحت أمرك يا باشا ".

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

علامة الاذن التيسير

يجب التمهيد لوجود برص في البيت

الانسان تاريخ