الفصل الثاني و العشرين ، الخبطة الصحفية


(21)
ضرب الهاتف في منزل كامل في رقمه الخاص فأمسك بالسماعة و قال :
" أيوه ، أبو كفاح ، إزيك  ، لا أعذرني "
استمر ابو كفاح يتحدث كثيرا ويعتذر له كامل باصرار ثم قال له :
" أنا أفكر جديا في الاعتزال".
سمع سليم الواقف على باب الحجرة صوت المتحدث يعلو بحيث يمكن سماع أجزاء من الحديث و لحسن حظ كامل أنه لم ير سليم وهو يتنصت عليه ويسمع لبعض من الحديث الدائر في هاتفه لأن كامل كان لا يريد لسليم أن يشك في نزاهة والده فهو يشعر بانه مثل قطعة القطن البيضاء النقية لا يريدها أن تتلوث .
سمع كامل حركة فصمت قليلا حتى يتأكد من عدم وجود من يسمعه واستأذن المتحدث في لحظة وكتم سليم فيها انفاسه لئلا يعلم ابيه بانه موجود
كان كامل كثير الحديث عن سليم وعن مدة نزاهته و حبه لوطنه وطالما حكي عن شبابه وحماسة ومدي تطابق سليم وكامل في الكثير من التصرفات و المواقف الشديدة في الحق وان سليم ماهو الا صورة له في شبابه
عاد كامل ليتحدث في الهاتف وفوجئ بالنبرة العالية لأبو كفاح وهو يقول :
" أنا ما ينفعني ها الحكي ، بدأنا سوا و ننهي سوا ، و مش هلق تقول نخلص يبقى خلاص ، على الأقل نكمل ما بدأناه ، أنا راح احكي لأن لو وقف مشروعي راح يكون فيه سبب و إلا إيه رأيك"
قال كامل :
" أنا عامل حسابي و سأوصلك لأحد المتابعين ، يمكنه التكملة ، أنا خارج اللعبة من الآن ".
أكمل الصوت بنفس العصبية :
" لا خارج و لا داخل ، أقابلك كمان ساعتين في بورتو مارينا ، ما في تأخير لو تسمح ".
اغلق كامل الهاتف واخذ يلعن السياسة والمجلس والوزراء وخلال تلك الهمسات البسيطة سمع سليم كلمة بورتو مارينا فاستنتج ان اللقاء مع صاحب المكالمة السابقة  سيكون هناك
قرر سليم ان يذهب الى بورتو مارينا ويشاهد بنفسه تلك المقابلة فهو لم ير والده ضعيفا من قبل مع احد ، انه الآمر الناهي في المجلس وخارج المجلس ويجب عليه  ان يتقصى الحقيقة لو أراد ان يكون إعلاميا ناجحا وان يثبت للعالم ان نجاحه نتيجة حرفيته وليس نتيجة التصاقه وبنوته لكامل باشا.
انسحب سليم بسرعة و ذهب إلى الحديقة الخارجية قبل ان يراه والده وهناك وقف امام المجلس الأوروبي  الذي وضعه مهندس الديكور بجوار حمام السباحة وجلس قليلا ليلتقط انفاسه وهناك  تذكر منزل العائلة في الفلاحين وحمام السباحة الكبير الذي يجمع عائلة الأم حوله وهي تضحك وتتحرك بينهم مستبشرة بوجوههم وتقدم لهم كل ما تشتهيه الانفس و تجتمع فتيات العائلة في الحديقة الخلفية ، فيسمع ضحكاتهن القريب والبعيد ، تلك الضحكات الخجولة التي تخلع قلوب الشباب وتذكر كيف انه هو وشباب عائلته يذهبون الى الزراعية ليتبختر كل منهم أمام الآخر وليشعر أهل القرية التي قويت شوكتها بعد وصول والده للمجلس وكبار البلد بقوة عائلتة و عزوتها أو بالأحرى قوة هذا الفرع من العائلة بعد ان ناسب عائلة الشافعي.
إنه يستبعد أن تكون هناك أي شبهات تحوم حول الوالد ، فهو صاحب المال و العز ، بل من المستبعد أن يكون له علاقة بأي من القصص التي يسمعها عن الفساد و تغيير الذمم و استغلال النفوذ ، فأبيه رجل له سمعه يحافظ عليها ، ولكن ما لا يصدقه هو لهجة المتحدث في الهاتف ، فقد أثارت ريبته ، كيف يسمح كامل الشافعي لهذا الشخص بالحديث معه بتلك النبرة
مرت والدة سليم بجواره وهو سارح بذهنه في المجلس ووالده المبجل حتى انه لم يلاحظ وجودها ووقفت بالكامل امامه لينتبه ولكن ذهنه المشتت لم يلحظها فتوقفت وقالت لابنها باهتمام:
" إللي واخد عقلك يابني ، مالك ".
فوجئ سليم بوجودها وابتسم قائلا :
" كثير و الله يا أمي كثير ، المهم إن واحدة فقط تصلني لأول السلم ".
ضحكت الأم :
" هو الزواج فيه سلم ، إنت حتتجوز واحدة طول إيه ".
أجاب سليم :
" لا يا أمي ، لا أقصد العروسة ، بل الخبطة الصحفية ".
تجيب الأم بتلقائيتها البسيطة :
" جاك خابط لما يخبطك ، قال خبطة ، يا سيدي شوفلك عروسة تفرح قلبي ، مش خبطة توقعك من على السلم ".
أجاب سليم بأسى :
" أخاف أن أقع من الخبطة يا أمي ، دعواتك لي أن يكفيني الله شر المستخبي ".

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

علامة الاذن التيسير

يجب التمهيد لوجود برص في البيت

الانسان تاريخ