اهدار المال العام 6



6- توشكى.. هرم "مبارك" الرابع الذي أنفقوا عليه 5.6 مليار جنيه لزراعة 2.4% من المساحة المستهدفة!

عندما بدأ استصلاح الأراضي في توشكي عام 1997، قارن الرئيس حسني مبارك بين هذا المشروع وبناء الأهرامات، وكانت التصريحات الحكومية حول هذا المشروع كلها وردية وصفت من خلالها المشروع بأنه مشروع القرن والتحدي وأنه بمثابة الهرم الرابع، واليوم وبعد مرور 13 عاما علي بدء مشروع تنمية جنوب الوادي «توشكي» وطبقا لخطة المشروع الذي ينتهي العمل فيه عام 2017 من المفترض أن يكون قد تم إنجاز 50% علي الأقل من المشروع بكامل مراحله (سواء علي مستوي الحفر أو استصلاح الأراضي وحتي الزراعة نفسها وكذلك مشروعات التنمية الصناعية المصاحبة لإقامة المشروع)، إلا أن الواقع ينافي ذلك تماما،

 فبعد أكثر من عقد علي تدشين المشروع فإنه لم يحقق أي عائد اقتصادي بل علي العكس اثبت عدم جدواه الاقتصادية وفشله في إحداث طفرة تنموية، علاوة علي إهدار مليارات الجنيهات عليه.... هذا ليس مجرد كلام مرسل إنما وفق ما تؤكده تقارير الجهاز المركزي للمحاسبات الذي رصد في آخر تقرير له إنفاق 5.6 مليار جنيه في «توشكي» لزراعة 2.4 من المساحة المستهدفة! حيث بلغت جملة المساحة المزروعة حتي 30/6/2008 ، «13» ألفاً و200 فدان، بما يمثل نسبة 4.5 فقط من المساحات التي تم تخصيصها للمستثمرين، والبالغة حوالي 243 ألف فدان، وتمثل نسبة 4.2% من إجمالي مساحة المشروع والبالغة 540 ألف فدان، في حين بلغت جملة الأعمال المنفذة بالمشروع حتي التاريخ نفسه نحو 5 مليارات و600 مليون جنيه، بتجاوز قيمته 515 مليون جنيه بنسبة 1.10% من إجمالي قيمة الأعمال المتعاقد عليها، والبالغة نحو 5 مليارات و8 ملايين و500 ألف جنيه.

تقرير الجهاز المركزي للمحاسبات قال إن القضيةَ الخطيرةَ تكمن في أن هذا المشروع الذي أُنفِق عليه 7 مليارات جنيه بدأ دون دراسة جدوي، حيث تم إعداد دراسة جدوي للمشروعِ في مايو 1998م أي بعد البدء في تنفيذِ المشروعِ بـ 17 شهرًا، وأكد التقرير أن جميع الدراسات السابقة للمشروع كانت دراسات علمية ليست دراسات اقتصادية.

 وتتمثل المكونات الأساسية لمشروع توشكي الزراعي في قناة الشيخ زايد وفروعها الأربعة والأعمال الصناعية علي الترعة وفروعها.. وبدأت التجاوزات حينما منحت الحكومة شركة المملكة للتنمية الزراعية المملوكة للوليد بن طلال مساحة 100 ألف فدان من الفرع الأول وكان ذلك في 16 سبتمبر 1998 وبموجب عقد كل مواده الـ12 تصب في صالح الطرف الثاني وهي شركة الأمير السعودي، حيث حصل الوليد بن طلال علي الأرض بمبلغ 50 جنيهاً للفدان وبالتقسيط.

وفي الوقت الذي منحت فيه الحكومة المصرية كل هذه الامتيازات للمستثمر الأجنبي قامت بفسخ التعاقد مع الشركة المصرية لاستصلاح الأراضي «الشركة الوطنية التي تتبع الدولة» بعد أن تمكنت تلك الشركة من استصلاح 23 ألف فدان وزراعة 7700 فدان فعلياً بعد التخصيص لها في مارس 2001 وبنسبة 18%، وفي المقابل لم يقم الوليد بن طلال وبعد 11 سنة من الحصول علي 100 ألف فدان بزراعة أكثر من ألف فدان فقط وبنسبة 1% فقط من الأرض المخصصة له والسبب أنه لم يقم حتي الآن باستصلاح أي مساحات أخري من توشكي ولم يقم بإنشاء الترع الفرعية للمشروع أو طلمبات الرفع الفرعية، وتكلفت خزانة الدولة علي مساحته فقط نحو مليار و613 مليون جنيه.
قامت الحكومة بسحب 80 ألف فدان من الشركة الوطنية لتبقي لها علي 40 ألفا فقط، الغريب أن الحكومة سحبت من الشركة هذه المساحة
   
                                     لتمنحها لمستثمر سعودي آخر هو «شركة الراجحي».

كثير من الاستجوابات وطلبات الإحاطة قدمها نواب البرلمان إلي الحكومة حول تجاوزات مشروع توشكي وإهدار مليارات الجنيهات عليه دون أي جدوي،
 وفي الاستجواب الذي قدمه النائب أكرم الشاعر [الكتلة البرلمانية للإخوان المسلمين] كشف عن أن الواقع علي أرض توشكي الآن يؤكد تحطم هذا الحلم وكل الوعود التي أعلنت عنها الحكومة، مشيرًا إلي أن الحكومة قالت إن المستهدف زيادة إنتاج البلادِ من مختلفِ المصادرِ الزراعية وزراعة 540 ألف فدان مرحلة أولي تصل إلي 3.4 مليون فدان بنهايةِ 2017، والواقع يؤكد أن ما تمَّ زراعته 4 آلاف فدان من إجمالي 540 ألف فدان بعد صرف 7 مليارات جنيه حتي الآن، مؤكدًا أنه (بحسبة بسيطة) يصل تكلفة الفدان المزروع إلي مليون و750 ألف جنيه.

وأكد الشاعر فشل جميع الدراسات التي قامت بها الحكومة، مما اضطر الحكومة إلي تعديل مسار الفرع (3) أكثر من مرة، الأمر الذي أتاح للشركة المنفذة رفع دعوي تحكيم حصلت من خلالها علي تعويض من الحكومة 4 ملايين جنيه، بالإضافة إلي الديون الإضافية التي حصلت عليها ومازال العمل متعثرًا، مما أضاع مائة ألف فدان من زمام المشروع الكلي، وقال إن الكارثة كانت لأنه لم يسبق تحديد مسار مناسب ؛ مما أدَّي إلي اعتراضِ مسارها لطبقات صخرية جرانيتية يصعب حفرها بالطرق العادية وزيادة التكلفة بصورة خيالية وبعد حفر 30 كم بدلاً من 57 كم اضطرَّت الحكومة لفسخ العقد مع الشركة بعد أعمال نُفذت بقيمة 55 مليون جنيه.

وعن إنشاء الآبار قال الاستجواب إنه تم إنشاء 85 بئرًا ليروي كل بئر 100 فدان وبتكلفة البئر 500 ألف جنيه، لكنَّ الواقعَ يشير إلي أن البئر يروي 10 أفدنة فقط، وأكد الشاعر في استجوابه أن إهدار المال العام وغياب دراسات الجدوي الاقتصادية يستوجبان سحب الثقة من الحكومة، واسترداد الأموال المهدرة.

وكشف الاستجواب عن عمليات السرقة التي تمت بالمشروع فبجانب إهدار المال العام الذي يقدَّر بالمليارات شهد المشروع سرقة الملايين بسبب الفساد، مدلِّلاً علي ذلك بأن رئيس الإدارة المركزية للمشروع «المهندس المقيم» عضوٌ في مجلس إدارة الشركة المنفذة للمشروع وهي شركة مساهمة.

وللأسباب نفسها تمت محاكمة مدير تنفيذ مشروع توشكي ورئيس الحسابات بمحكمة الجنايات بالجيزة، علاوة علي أن المُحالين علي المعاش من مصلحة الميكانيكا والكهرباء المشرفة علي المحطة عَيَّنوا أنفسَهم للقيامِ بعمليةِ الصيانة والتدريب بشركة هيتاتش مقابل 30 مليون جنيه سنويًّا !

وبعد كل هذه السنوات وإهدار مليارات الجنيهات خرجت أنباء حول إعداد خطة لتصفية مشروع توشكي بشكل تدريجي بعد اعتراف الحكومة بفشله وإهدار ما يزيد علي 6 مليارات جنيه مع عدم تحمس رجال الأعمال المصريين والعرب نتيجة تكلفة الاستصلاح العالية للأرض هناك، وبدا ذلك واضحاً من خلال الانتقادات الواسعة للمشروع وتراجع زيارات الرئيس مبارك وأيضًا الوزراء للمشروع بعد إدراكهم عدم جدواه الاقتصادية وفشله في إحداث طفرة تنموية، حيث تم تقليص الميزانية المخصصة له وتخفيض عدد العمالة بالمشروع فضلاً عن منع التجديد للمهندسين الذين تم انتدابهم من وزارة الموارد المائية والري للعمل بالمشروع.

وقيام وزارة المالية بتقليل ميزانية المشروع في العام المالي 2007/2008 إلي 100 مليون جنيه فقط بعد أن كانت تصل خلال الأعوام السابقة إلي 500 مليون جنيه.... السؤال الآن: من المسئول عن ذهاب مليارات الجنيهات من أموال الشعب هباء في مشروع أثبتت كل الدراسات عدم جدواه، وثبت أنه جاء لصالح حفنة من المستثمرين؟

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

علامة الاذن التيسير

يجب التمهيد لوجود برص في البيت

الانسان تاريخ