الفصل الخامس ، لا يسقط حق وراءه مطالب



 (5)
مازال " شريف" الفنان الذي أذهله رد فعل اثنان من كبار صفوة المجتمع و اللذان أهدى اليهما لوحات رسمها بإتقان شديد ليبهرهما بفنه ، ما زال يتحدث  مع مجدي وهما جالسان على مقهى بعد الحادث الذي تعرض له من قبل رجال حنفي
اهتم مجدي جدا بالحديث و قال له :
"لن أتركك إلا بعد أن آخذ لك حقك من هؤلاء الأشخاص ، أين نحن ، هل هذه هي مصر الأمن و الأمان و السلامة ،  أنا لا أصدق ، ولكن أخبرني ، هل أهديت لوحات أخرى لأشخاص غيرهما "
تعجب شريف بحماس مجدي لموضوع لم يكن هو طرفا فيه  ، فهو فنان اعتاد العمل في مرسمه بهدوء ، دون اضطراب ، كما أن انحداره من أسرة فنية مهد له حياة هادئة في مرسم داخل عوامة على النيل ، لا يسمع فيها إلا خرير الماء نتيجة مرور القليل و النادر من القوارب ووسائل الانتقال المائية ، تلك العوامة التي ورثها عن والدته الفنانة الأصيلة و التي حاربت أهلها من الإسكندرية و سافرت إلى القاهرة لكي تدخل إلى عالم الفن و الرسم و تتزوج من أستاذها في كلية الفنون الجميلة .
نظر شريف لمجدي وقال له :
"أنا لا أريد مشاكل و لا أريد أن احتك بأحد ولكنني أريد أن أعيش في هدوء ، يا ليتني لم أحلم بالشهرة ، فقد قال لي والدي يوما أن في هذه البلد ، لو تفوقت و اشتهرت أكلتك الوحوش ، فهي لن تتركك و ستطاردك في كل مكان".
سكت قليلا ثم أكمل :
" إن كان عميدا لكلية الفنون الجميلة و طلب منه كبار الأمراء و شيوخ العرب أن يقوم بتصميم  ميادين و قصور ولكنه حورب في مصر و نهش في لحمه حسب قوله وهو كان و مازال محترما من الجميع و له اسمه في الأوساط المختلفة "
نظر مجدي لشريف وهو يوافقه :
"أنا أعرف ما هو الحقد و ما هي الغيرة فأنا عائلتي كلها اكتوت بنار الغيرة ، فلو وافق جدي على أن تتزوج أخته من أحد رجال الثورة لكنا الآن ننعم مع الناعمين ."
أخذ " مجدي " "شريف " من يده وقال هيا إلى منزلك لنرى ماذا نحن فاعلون !"
ظل شريف جالسا وهو يقول :
" إن أبي منعني من الرسم خوفا من أن أكرر مأساته ، كنت أرسم تحت السرير في بعض الأوقات و أنا صغير ، بعد وفاة أمي تغيرت الأحوال و تركت المنزل لأعيش في العوامة التي ورثتها منها ، عشت هناك لكي أرسم كما يحلو لي ، و ميراثي من أمي يغنيني عن السؤال."
استدرك شريف :
" دعك مني و اذهب إلى أعمالك ، أنا لا أريد أن أؤخرك عن عملك"
ضحك مجدي وقال :
"لقد اعتاد على ذلك عماد بك ، صاحب العمل و السيارة ، فهو يعلم أنني محام ماهر و لا أترك من يدي قضية "
أجاب شريف وهو يضحك محاولا أن ينسى ما تعرض له منذ الصباح :
"بل تحر ماهر "
و قاد مجدي السيارة إلى أن وصلا إلى بداية الكورنيش الذي ترسي فيه العوامة . اندهش "شريف" لأنه وجد  "فرحات" حارس العوامة  واقفا عند أول الشارع ينظر بتمعن في كل المارة ، فقال شريف باندهاش :
" هذا فرحات حارس العوامة ، توقف من فضلك فأنا لا أعلم ماذا يفعل هنا "
توقف مجدي في التو ، بجوار " فرحات " ، تبين فرحات "شريفا " داخل السيارة فصاح قائلا :
" لا تذهب هناك يا بيه ، الدنيا مقلوبة يا بيه ، لا أعلم ماذا حدث و لكن العوامة اتبهدلت يا بيه ، ما تجيش يا بيه خد لك أسبوع بعيد لغاية لما الأمور تهدأ "
ابتسم مجدي من رؤية شريف وهو يهلوس :
"يا دي النيلة على ده يوم ، أنا كنت عملت إيه يا ربي "
أجاب مجدي :
" أنت هزرت مع الناس الغلط ، ولكن كل شيء و له نهاية ، علينا التفكير قبل التحرك "
قال فرحات الرجل الذي تربى على يد والدة شريف حيث تبنته هو و فريال زوجته التي كانت تعمل لديها في فيلا والدها بلوران وقد حملت من فرحات قبل الزواج و خوفا من الفضيحة لجأت إلى كاريمان والدة شريف فأخذتها إلى مقر فرحات في الملاحات و أصرت على أن يتزوجها و إلا أخبرت خالها محافظ الإسكندرية ومنذ تلك اللحظة وهما يعيشان مع الولد الوحيد الذي أنجبته فريال لأن ولادتها كانت متعسرة جدا و من نتيجتها أنها تسببت في عقم دائم لفريال ، بعد أن تمرن عليها طلبة القصر العيني و حاول كل متخرج أن يدلي بدلوه في أسباب عقمها و طريقة العلاج و في النهاية تركت المحاولات و تفرغت لتربية ابنها الوحيد .
نظر فرحات لشريف وقال له :
" يجب أن تختفي عن الأنظار قليلا "
لم يخف فرحات نبرة تشفي بسيطة في صوته وذلك لرغبته في أن ينتقم من كاريمان في صورة ابنها لإجبارها له على الزواج من فريال التي كانت و ما زالت تلك الفتاة الساذجة البريئة والتي لم تكن بالنسبة إليه إلا واحدة من عديدات ، أغواهن ولم يكن يحبهن ولولا وجود كاريمان وخوفه من أهلها لظل  يتعامل مع تجار الحشيش و المخدرات في منطقته المشبوهة إلى الآن.
حاول شريف أن يستفسر من فرحات عن الأشخاص الذين عبثوا في عوامته فلم يفيده متعمدا و لكنه قال :
" ناس واصله ، باين في مجلس الشعب ولا في الحكومة"
أمسك شريف رأسه ووجه الحديث لمجدي :
" كامل الشافعي  بالتأكيد ،  ما الخطأ في اللوحة التي رسمتها له ، لقد رسمت له صورة وهو ممسك بالسلاح ، واقفا في معركة ببسالة ، فهو في مجلس الشعب من الشخصيات القوية المقاتلة ، أنا لا أفهم ، لماذا تتسبب لوحاتي بكل ردود الأفعال هذه؟"
شكر مجدي فرحات و أخذ شريف معه وقال له :
"مرحبا بك في قلعتي الصغيرة ، أنا سأستضيفك إلى أن أعلم ماذا يحدث "

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

علامة الاذن التيسير

يجب التمهيد لوجود برص في البيت

الانسان تاريخ