الفصل الحادي عشر ، لقاء القمم



(11)
نزل مازن من سيارته الفارهة ونظر لفيلا عماد  و تعجب أن شريف يعرف قاطن هذه الفيلا فشريف تربى معه ويعلم جيدا أنه ليس له أي علاقات اجتماعية.
تذكر حين كان يطلبه شريف ليذهب معه إلى أي مكان ليقوم بالتحدث بالنيابة عنه ، حتى أنه طلب منه مرة ، الذهاب إلى الطبيب ، و ادعاء المرض بدلا منه ، و كانت ليلة مرحة قضياها يتذكرا العلامات المشتركة التي اتفق عليها الاثنان ، في حالة ما أصر الطبيب على المعاينة ، و لحسن حظهما لم يكن الطبيب موجودا في تلك الليلة .
نظر مازن إلى الشجرة التي وصفها له شريف و دخل إلى الفيلا التي لم يكن بها وسائل حماية شديدة ،  علم مازن بفطنته أن صاحب الفيلا من قاطني هذه الفيلا منذ زمن بعيد ولا بد أن له أياد على الجميع في المنطقة ،  و إلا لكان سيجد حارس شخصي أو اثنان و بواب و غيرهما من وسائل الحماية المصطنعة التي يمارسها حديثو النعمة حاليا .
علم مازن أن الزيارة لها علاقة باللوحات التي وزعها على البعض من معارفه و لكنه كان مشتاق لمعرفة ماذا حدث ،  ومن هم الذين لجأ إليهم شريف في وضعه الحالي .
لمح مازن آثار الأصل الطيب في شكل تنسيق الحديقة المنمقة دون مبالغات التي يراها الآن في كثير من منازل أصدقاء العائلة و التي يصر أصحابها على وضع الكثير من الديكورات الخارجية لإثبات حالتهم المادية المستريحة .
وصل مازن إلى الباب الحديدي و قرع الجرس ووجد عماد أمامه يفتح الباب و يقول له بتلقائية :
"مازن باشا ، تفضل نحن في انتظارك "
لم يتعجب مازن من الطريقة التلقائية التي قابله بها عماد فهو يمارس نفس الطريقة في التعرف على الناس ، و لذلك فهو قام بالسلام الحار عليه و قال :
" أنا آسف لم أقصد أن أتأخر و أتمنى أن تقبلوا اعتذاري "
نظر مجدي لمازن و لم يسترح له لأن مظهره الإفرنجي الشديد و حذائه المفتوح و ملابسه الفضفاضة لم تكن مناسبة  ، فقد تربى مجدي بطريقة إنجليزية صارمة على عكس مازن الذي تربى بطريقة أمريكية متحررة ، فهو مسافر معظم أوقات السنة في أمريكا لعقد الصفقات و مقابلة ممثلو و أصحاب الشركات و هو يتعمد أن يكون له مظهرا أمريكيا كنوع من الانتماء لبعض الطبقات التي يحترمها مديرو البنوك الحاليون و بعض موظفو الحكومة ، فعلى الرغم من استهجانهم لهذا النوع من الشباب إلا أنهم واثقون من أن لهم ظهرا من الحكومة يحميهم ، و لذلك فإنهم يتعاملون معهم بنوع من الحذر و النفاق إلى أن يعلم الموظف من هو ظهر هذا الشاب ، فإن كان وزيرا أو مديرا كبيرا في الحكومة ،  فهو في خدمته ، و إن كان من أثرياء الخليج فعليه تقديم بعض الهدايا و الإكراميات ، أما إذا كان من الشباب "الروش" بلا ظهر و لا مال فلعنة الموظفون تناله من لمز و غمز و تراشق الكلمات و لن ينال ما يبغي إلا بتفتيح المخ .
نظر مازن إلى داخل الحجرة ليجد شريف وهو يجلس على كرسي فاخر،  أسرع إلى اتجاهه وهو يقول :
" أين أنت يا شريف  ، ما الذي حدث ".
قال شريف :
" والله يا مازن لا أعرف  ، أصدقاءك من المجانين على ما أظن ، فإلى الآن اثنان يريدون قتلي و الثالث لا أعلم ماذا يخبئ لي ".
ظهر قلق شديد على مازن و دق قلبه بعنف وقال :
يا رجل ، من هم ، من يريد قتلك ".
أجاب شريف بثقة :
" أنت تعلم فقد أشرت لي بالابتعاد حين سأل على بعض من رجال حنفي "
تعجب مازن بشدة :
" لا تقل أنهم حاولوا قتلك ، حنفي رجل له سمعته  ، عموما هيا معي في المنزل لنرى معا هذه المواضيع ".
حاول مازن أن يجعل هذه الجملة في غاية من الطبيعية و التلقائية ، حتى لا يعترض احد و لكنه وجد مجدي أمامه ليقول له قبل أن يرد شريف :
" لا يا فندم ، إنه معنا و نحن نحميه من أمثال حنفي ، خاصة و أنك لم تدرك مدى خطورة هؤلاء الأصدقاء ".
اندهش مازن  و ابتسم شريف لأنه لم يكن يتوقع أن يتنافس عليه المتنافسون ، فهو قضى عمره بصديق واحد و ها هو الآن لديه أكثر من واحد كما يرى
قال مازن :
" أنا كفيل بأن احميه لو كان هناك أي خطر و خاصة أنه لا يعرفهم و لا يعرف عنهم شيئا "
قال عماد :
" أنت تعرفهم إذا ، هل تعلم أنه تعرض لمحاولتي اغتيال في وضح النهار و هذا شيء لا يمكن السكون عنه".
نظر مازن لشريف قائلا :
" هل تعرفني على أصدقاءك الذين تعرفت عليهم بالأمس و الآن هم أقدر مني على حمايتك "
نظر إلى عماد ثم مجدي ليرى ردود أفعالهم ففوجئ بأن مجدي يتحدث و عماد يؤكد :
" لو كنت تقدر على حمايته لما تعرض إلى القتل مرتين منذ الصباح "
ويؤكد عماد :
" بالتأكيد يمكننا حمايته على الأقل لا أحد يعرف أنه هنا ، ثم نحن لن نقوم فقط بحمايته و لكن سنساعد في معرفة الحقيقة "
يتدارك مازن الحديث ويقول :
" مرتان ، هل حاول حنفي قتلك مرتين في يوم واحد "
قال شريف وهو يوجه الكلام إلى الجميع :
" بل المحاولة الأولى كانت لمهدي وأراد الله حمايتي لأنني سقطت فوق عربة من البطيخ "
ضحك عماد بمرحه المعهود :
أمسك مازن شريف من يده و احتضنه قائلا :
" أنا آسف يا شريف ، والله لا أعلم أن هؤلاء الأشخاص بهذه القسوة و الرعونة ، و لم أكن أتخيل رد فعلهم بهذا الغباء "
أمسك مجدي بالخيط :
" لم تكن تتوقع أن يكون رد فعلهم بهذه القسوة لأنك توقعت رد فعل للوحات ، أنا لا أصدق أن ترمي بصديقك أمام مدافع و تتركه على أمل ألا يكون رد الفعل قوي ".
حاول عماد تهدئة مجدي لأن ما يهم عماد هو الحصول على معلومات من مازن ومعرفة مدى تورطه في هذه المحاولات و لذلك قال :
"دعنا نشرب كوب من الشاي مع البسكوت أو الكرواسون لكي نبدأ القصة بالتسلسل الطبيعي "
ثم نظر إلى مجدي بدلال فهو لم يعد يعامله كسائق بعدما لمس أصله الطيب و قال له :
" أنت محامي ولست وكيل نيابة "
ونظر إلى المطبخ وهو ينادي :
" يا أم محمد ، شاي و بسكوت "
وكأنها تعلم كمية البسكوت وعدد أكواب الشاي ثم نظر إلى الساعة و قال :
" لدي مقابلة مع ابن كامل الشافعي الآن و سأكون معكم أنا و مجدي بعد قليل ، هيا بنا يا مجدي"
لم يكن مازن يعلم ما هي طبيعة علاقة هؤلاء الأشخاص بعضهم ببعض فلم يقم أحد بالتعريف و لكنه استنتج أن أقواهم هو عماد وهو صاحب المنزل و لكن لم يعرف من هو مجدي وفي لحظة نهض شريف و قال له بأدبه المعهود و خجله
" سأخرج أنا أيضا مع مازن  سنحضر بعد نصف ساعة "
قال عماد مؤكدا :
" عندك جناحك يا سيدي بالكامل ، استقبل فيه صديقك ، و تناقش معه إلى أن أحضر"

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

علامة الاذن التيسير

يجب التمهيد لوجود برص في البيت

الانسان تاريخ