الفصل الثاني والعشرين - الارهابي الوطني


(22)
انتظر مهدي صاحب شركات السياحة الكازينو المشهور ، انتظر داخل السيارة أمام أفخم مطعم في القاهرة حيث توقفت السيارة للحظات وخرج سعيد مسرعا و فتح له باب السيارة وانحني بطريقة فيها خضوع ، نظر مهدي إليه من طرف عينيه وبطريقته المليئة بالكبرياء المصطنع وانتظر الى ان سبقه سعيد  ليؤمن له الطريق .
دخل مهدي إلى المطعم ونظر حوله فرأى "وجيدة" وهي تمسك بسيجارة وتنفث فيها بعصبية ، توقف قليلا إلى أن لمحته فأخذ بيدها لتقف و احتضنها وهو يربت على ظهرها ثم انتحت وانتظرت أن يمسك بظهر كرسيها ليجلسها على الطاولة .
أجلسها مهدي على الكرسي بطريقة مصطنعه وهو ينظر حوله كأنه يؤكد على سموه وعلوه ثم جلس بجوارها وهو يتحدث معها بطريقة عذبه :
" بون سوار ، اخبار كويسة ، سيكون اسبوع حافل ، أنا رتبت كل شيء "
بدأ مهدي سهرة الليلة مع وجيدة و جلس كل من خميس و سعيد في السيارة الفارهة ينتظران خروجه
قال سعيد بعد فترة تفكير و تردد لخميس :
" هل تعلم أن الباشا لا يعمل في المخابرات "
انتفض خميس و نظر له قائلا :
" من قال لك هذا؟ .. لا تحاول تجريح هذا الرجل الوطني ، هل جننت"
أجاب سعيد :
" ولا الولد إللى رميناه بيهدد البلد و لا إرهابي ! "
قالها سعيد وهو يعلم ان مثل تلك المعلومات قد تدمر خميس وحياته ولكنه لا يهتم فهو يريد ان يضم سعيد الى جبهة اخرى غير جبهة مهدي .
قال خميس بتحد شديد:
" ولما أنت عارف ، رميته ليه يا شاطر "
أجاب سعيد بثقة :
"أنا قمت باستجوابه؟ ، ولكن أنت من أمسك بقدمه و أفلتها ".
كانت تلك كلمات اعدها سعيد كثيرا ورتبها في ذهنه لكي يصعق خميس ويجعله يتردد قبل فعل اي عمل يطلبه منه مهدي ولا يصبح مثل الآلة الحربية التي تسير ببنزين الوطنية وهو لا يعلم ما يتم العبث به ، ان مهدي لا يقوم باعطائهم ما يكفيهم من المال ويعتمد على ان العمل يتم بناءا على ارضية وطنية وان كل المهام الموكلة اليهم تعطى تحت بند القضاء على ما يهدد البلد ويجب ان يقوم سعيد باللعب مع مهدي لكي يفكر في النظر اليهم بقدرهم
ان سعيد يريد تعريف مهدي حجمهم الفعلي ومقدار ما يدعمونه باعمالهم ولذلك عليه ان يأخذ خميس إلى صفه و يقوما معا بالضغط على مهدي ليحسن من مستواهما الاقتصادي و يعطيهما بعض من نعم الله التي أسبغها عليهو إلا اظهر لمهدي انه يعلم علم اليقين بالكثير من الاعمال المشبوهة التي يقوم بها وعملائه الذين يوضعون دائما تحت مسمى اعداء الوطن في كل المجالات .
لم يكمل سعيد الجملة وترك خميس يتفكر فيها ، فقد قرر تلك المؤامرة بعد ان قضى ليلة ليلاء مع زوجته وهي تأنبه وتلعن وتسب الايام التي اوقعتها في امثاله من انصاف الرجال فهو مازال نفس الصول الذي خرج إلى المعاش  ولم يكن معه ما يرفع من مستوى معيشته ، وزادت وأعادت القصيدة التي حفظتها عن ظهر قلب ، فتلك عادتها في أي يوم تعود فيه من جلسة تحفيظ القرآن ، الجلسة التي تختلط فيها بنسوة من جميع الطبقات .
كانت ومازالت زوجة سعيد تسعى للاختلاط بالمستويات الراقية في اي مجال ولم تجد سوى مدرسة لتحفيظ القرآن في حي راق ينضم اليها العديد من السيدات الفضليات من أهل الخير اللاتي يؤمنّ تلك المدارس وتقوم بالتعرف عليهم اولا وانتهاج منهج السيدة الخيرة الكريمة ، خاصة وانها كانت ترتدي عباءات سوداء تخفي معالم الفقر عليها وكانت ايضا تستخدم الجمل المختلفة والتي استعارتها على مدار الايام من الطبقات العليا ، حتى تأمنها أي  سيدة منهن فتبدأ بإشراكها في حياة السيدات الفقيرات والمرضى الذين تعرف حالتهم وتستدر عطفها هي وصديقاتها ، ثم تبدأ بإبتزاز العواطف ببعض القصص الخيالية عن بعض الحالات الاجتماعية الصعبة ، ثم تحصل على أموال من صدقاتهن  لنفسها بمبدأ "اللي يعوزه البيت يحرم على الجامع"
نجحت زوجة سعيد في ذلك لبعض الوقت ولكن قل دخلها خلال الفترة الماضية لان الدولة بدأت برعاية بعض من مسارات مصارف الزكاة والمعلن عنها مثل جمعيات رعاية مرضى السرطان و غيرها وكانت تلك بداية تغير سلوك السيدات تجاه أموال الزكاة والصدقات ، فأصبحن يرسلن بالأموال الى الجمعيات الخيرية المشهرة و المعروف نشاطها ولكنها نجحت في تغير أسالوبها بأن ادعت انها تنتمي لجمعية مشهورة وانها تأخذ تلك الأموال للجمعية واصبحت تصدر كتيبات بايصالات قام سعيد بمساعدتها في الحصول عليها من صاحب مطبعة يتعامل معها مهدي بطريقة مباشرة في المشتبه من الامور.
بدأت حلقة التأنيب امس بالنسبة لسعيد حين ظهر اعلان عن الصدقات وكيف ان الجمعية المبجلة التي تكرهها اعطت مشروعات للفقراء تغنيهم عن التسول و بعد ان امتعضت زوجة سعيد و مصمصت شفتيها، التفتت لسعيد وهي تؤنبه أنه ما زال يأخذ نفس المرتب و لم يهتد بعد للطريقة المثلى ليضغط على صاحب العمل لكي يرفع له راتبه وازادت :
" ألست انت من علمني كيفية التعامل مع الناس لمصحلتي وانت لا تعرف مصلحتك مع مهدي ولا كيف تتعامل معه ، هل يمكن  ان تجد لنفسك الفرصة والوسيلة للضغط على هذا الرجل  ، نحن لن نكون اقل من اخواتي ، ولن اصبح خادمتهن بعد ذلك و.."
ظلت تقص له كيف أن أخواتها الآن لديهن مصيف في الإسكندرية و لدى أزواجهن سيارات سرفيس تجب أنحاء القاهرة و كل راكب يمثل دخل ، وأولاد أخواتها يؤمون المدارس الخاصة ، ثم تعلق على الشاي العادي التي تشربه وهن يشربن الشاي الفتلة.
تذكر سعيد المحادثة التي استمرت لنهاية الليل وانتهت بوعده لها بأن يبذل قصارى جهده لكي يصل لطريقة لزيادة دخله.
نظر لخميس مؤكدا له :
" أنت قتلت الشاب ، و للعلم ، ليس لصالح البلد و لا زفت ، بل لصالح مصالح الباشا".
شعر خميس باختناق ففتح باب السيارة وخرج ثم عاد لينظر إلى سعيد :
"لا تفعل ذلك معي ، أنا لا أصدقك ".
لم يعتاد خميس على التشكيك في رؤسائه فهو مثال للرجل العسكري الذي لا يناقش الأوامر و لا يتشكك فيها ، أو هكذا تعلم ، نظر خميس لسعيد مرة أخرى ليستشف من ملامح وجهه مدى جديته في الحديث ، ثم شعر بوخز في صدره لأنه وجد سعيد جادا جدا وهذا لا يقلقه ولكن يميته بافعل .
صاح خميس:
 " يا حول الله ، يا رب ، ماذا تقصد أننا لا كنا نحمي الدولة و لا كان ذلك الرجل إرهابي "
أجاب سعيد بتهكم :
"جبتها أخيرا  يا فالح ، ... و لا أي واحد غيره كان يهدد الدولة و لا غيره ، ...  و لا غيرهم ، ... إحنا ماشيين وراء إرهابي ، مهدي باشا هو الإرهابي ".
بعد خميس عن السيارة ثم عاد وسأله متشككا :
" كيف علمت و متى و لماذا لم تخبرني من قبل ؟".
خرج سعيد من السيارة وبدأ يتلاعب بخميس طوال السهرة وأقنعه أن سبب عدم إخباره هو عدم تأكده من تلك المعلومات و أنه أخبره بمجرد ما تأكد من مصادره في المخابرات الحقيقية التي خدم بها وله بعض الأصدقاء فيها وكانت تلك الخدعة الوحيدة التي انطلت على خميس لانه يعلم جيدا ان لسعيد الكثير من المعارف في أماكن كثيرة وقد تكون المخابرات واحدة منهم.
جلس سعيد بجوار خميس وهو منهار ويتصبب العرق من جسده كله  وكانت الجلسة  على السيارات المصطفة بجوار المطعم الأنيق وبدأ يحدثه بأن ما يقومان به لا يعتبر حراما و لا خطأ ، بل هما مضطران لذلك كما يمليه عليهما " لقمة العيش " ، و أن الأولاد ما هي إلا أفواه جائعة ، حتى مستقبلهم لم يحدد بعد و لذلك فعليهما أن يتكاتفا معا ليقنعا مهدي باشا بزيادة مرتباتهما و إعطائهما مكافآت مناسبة لما يقوما به من مجهود و تضحية ، فهذا أقل ما يطلبونه مقابل حماية المعلومات التي لديهما.
نظر خميس لزميله و عيناه ممتلئتان بالدموع و قال :
" يلعن أبو الفقر و الحاجة ، بلدنا عايزة الحرق ، خلتنا احتاجنا للي ما يسواش علشان نأكل عيالنا ، أنا قتلت جنود في المعركة و سلاحي كان طاهر ، سيبني أفكر يا سعيد ،  ... ".
اختنقت عبراته وهبطت عبراته مسرعة و لم يعد يستطيع التحدث  فترك سعيد واسرع الخطة حتى بعد سعيد عنه ثم تثاقلت خطواته حتى كاد يجرها وشعر بنار تسري في عروقه و لهيب يخرج مع كل نفس ، كان يستند على الحائط كل عدة دقائق يحاول أن يجذب فيها نفسا من صدره فيفشل  و يضطر لمسح وجهه كله من كثرة العرق الذي تساقط غزيرا من جبهته .

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

علامة الاذن التيسير

يجب التمهيد لوجود برص في البيت

الانسان تاريخ