الفصل الثاني والثلاثون - مقتل طفل


(32)
أمسك عماد بيد صافيناز وهما في شرفة في فندق فخم أمام الهرم الأكبر كان قرر ان يبيت فيها وحده مع زوجته للاحتفال بعيد زواجهما ولان شريف موجود في المنزل فلا يستطيع ان يقوم بالحفلات الرومانسية الرقيقة التي اعتاد ان يقوم بها في حديقة فيلته
دخلا الحجرة وطلب عصائر ومخبوزات لكي تكون معهما في المساء واخذ زوجته من يدها ليلتصق بها ثم قبلها قبلة رقيقة في عنقها حتى تخاذلت ركبتاها وكادت تسقط ، فأخذها عماد برفق وأجلسها على كرسي مريح في الشرفة
جلست صافيناز وامسكت بالعصير ولم تتحدث معه ولكنه حين اقترب منها وجد دمعة تسقط على خدها فاقترب منها قائلا :
" أخبريني عما يقلقك واتركي لي الباقي ، انا اراكي مهمومة منذ فترة "
نظرت صافيناز لعماد بكل الحب و أمسكت بيده فقبلتها و قالت :
" كيف أخبرك يا عماد و أقلقك و أن كان علي أضعك داخل قلبي و أقفل عليك ، أنا لا أحب أن أرى قلق أو حزن في عيونك ، أنا سعادتي تأتي من سعادتك "
ابتسم عماد و جلس أمامها قرفصاء ووضع وجهها بين يديه وقبل عينيها و قال :
" خلقني الله لسبب و سخرني له ، ألا تعلمي أنه خلقني لأسعدك ، وسخرني لخدمتك ، يا حبيبتي ، مهما كان لدي من عمل ، فهو في النهاية لكي أكون فخرا لك و لابنتك ولأعيل أسرتي ، لا يوجد في الحياة كلها ما يجعلني أنشغل عن سعادتك بحياتي ، أنا  أعظم إنجازاتي هو أن تزوجتك يا صغيرتي العزيزة  ، و الآن قولي لي ، ما الذي يحزنك ؟ لا تخافي من مصارحتي بأي شيء ، أقسم لك أنني سأدعمك مهما كان ما يحزنك "
نظرت صافيناز لبعيد حتى لا تتردد في الإفصاح عما يحزنها وكانت قد قررت ان تخبر عماد بكل الآلام التي عاشت بها طوال السنين الماضية والتي ادت الى انها لم تفارق الحزن ساعة
استجمعت شجاعتها حين نظرت الى عيون عماد الحانية و قالت :
"دعيت إلى معرض من معارض وجيدة ، تعرف اوبنداي في فيلا وجيدة في الحرانية عندما كنت في فرنسا لحضور المعرض السنوي بباريس  ، تتذكر حين عدت ووجدتني منهارة ومنذ ذلك الحين تعتذر عن ذهابك لخارج البلد بدوني "
خفق قلب عماد بشدة فالقصة لا تبشر بالخير وهو لا يحب ان يلمس حبيبته صافيناز الهواء الطائر فما بالك بما يحزنها سنوات ولكنه لم يقاطعها لانها ولأول مرة تفتح قلبها واكملت صافيناز وعماد يمسك بيدها ويقبلها ويطمئنها لتكمل
" في ذلك اليوم تأخرت عندها و كانت بهيرة عند أمي و أنت تعلم أمي ، فهي لا تحب الارتباط لمدة طويلة ، و لذلك فأسرعت في العودة من عند وجيدة "
تهدج صوت صافيناز
" و لم ألحظ وجود طفل يعبر الطريق "
بدأت صافيناز بالبكاء ووقفت وسارت بعيدا عن عماد ولكنه جذبها لتستقر بين يديه واخذها في حضنه وربت على شعرها برفق وهو يقول:
" لا تخافي ، اكملي انا اسمعك ، لا تخافي "
قالها ودقات قلبه وصلت لعنقه فهو الآن سيحمل عنها هذا العبء الرهيب وسيكون ألم حياته كلها لأنه سيتحمل عنها تلك الآهات والزفرات التي تخرج من فمها كل ليلة
لم يتركها من يده لانه لا يريدها ان ترى دموعة ترقرق في عينيه ولا يريدها ان تشعر بضعفه حتى تشعر بانها بين يدي رجلها القوي الذي سيحميها وان مات دونها
أكملت صافيناز بعد عدة دقائق من البكاء المتصل وهو يضمها اكثر واكثر بين جنبات صدره وقالت :
" أنت تعرف أن الطريق هناك غير ممهد و التراب يثار بغزارة حين تسير
ألا تتذكر حين كنت تصطحبني من هناك ، ثم انها كانت ليلة غير مقمرة وضوء السيارة مع التراب ينعكس و .."
خنقتها العبرات فلم تكمل وبدأت في البكاء مرة أخرى أجلسها على مقعد وانسحب عماد ودخل الحمام ليحضر لها منديلا من الورق تستعمله .
دخل الحمام وغسل وجهه جيدا بالماء البارد واستجمع شجاعته وعاد إليها  وجلس بجوارها ومسح دموعها جيدا وأعطاها المنديل واخذها مرة اخرى في صدره واخذ يربت على رأسها  فأكملت :
" سمعت ارتطام شديد بجسد السيارة وتوقفت لأرى ما الذي ارتطم بالسيارة "
اكملت وهي تبكي بحرقة :
" لقد كان طفلا بريئا ، الصدمة قطعته إلى أشلاءه ، لا يمكنني نسيان وجهه المتورم الاسود ،  لم أتبن ملامحه و ..."
جفل عماد حين سمع وصف الطفل حتى انه ابتعد عنها وسار بخطوات وهو يفكر
أكملت صافيناز النحيب ، حتى عاد عماد بجوارها مرة اخرى وأخذها بين أحضانه و شجعها على الاستمرار فقالت :
" شل تفكيري لدقيقة و لم أعلم ماذا أفعل ، اتصلت بأمي وحاولت الاتصال بأمي ولكنني كنت قلقة على الطفل وحين اردت ان اتصل بالاسعاف سمعت اصوات رجال قادمون ونظرت لاجدهم آتون بالعصي والهراوات والفئوس فخفت و جريت نحو السيارة و ركبتها مسرعة و في أقل من ساعة كنت أخذت بهيرة من عند امي ".
بكت مرة أخرى بكاءا شديدا ، أخذها عماد بين أحضانه و لم يتركها و قال لها :
" كفى بكاءا ، علمت الآن ما يحزنك و أنا كفيل بأن أريح ضميرك و أرضي ربك ، أولا "
أجلسها ومسح لها دموعها وقال لها وهو ينظر في عينيها ويصر ان تنظر اليه وقال لها :
انا اريدك ان تعرفي انك لو قتلتيه بالفعل فهذا يسمى قتل خطأ وهذا له كفارة ودية تسلم الى اهله والله غفور رحيم ولكن من حديثك انا اشك انك قتلتيه فانت تقولين ان لونه كان اسود وان تقطع اشلاء وهذا لا يحدث في هذا الطريق وانت تسيرين بسرعة متوسطة لكثرة الرمال وهو طريق غير ممهد ، ارجوكي دعيني انظر في هذه القصة واهدأي لاني لن اهدأ قبل ان اعرف ماذا يحدث
هيا بنا نجلب بهيرة ونذهب المنزل فلدي الكثير من الاعمال التي يجب ان اتمها.

تعليقات

  1. الان تركنا الشياطين ال 13 قليلا واقتربنا من قصص آجاثا كريستى ولا فارق كبير بينهما

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

علامة الاذن التيسير

يجب التمهيد لوجود برص في البيت

الانسان تاريخ