الفصل التاسع و العشرين ، الرسم بالمدية
(29)
تركت صافيناز عماد في مكتبه ينتظر سليم ونزلت إلى حديقة منزلها و رأت شريف من بعيد وهو ممسك بالفرشاة و يرسم بانسيابية ، انبهرت بخطوطه السهلة الممتنعة و التي تعطي شكلا للوجوه بأقل تفاصيل ، جرت ابنتها الجميلة "بهيرة" في اتجاهه وبدأت معه الحديث فنظر إليها شريف وهو مبتسم .
نظرت صافيناز من بعيد وهي ترى الحوار بينهما لعدة دقائق ، تجرأت و اقتربت من شريف بعد ذلك وتبادلت معه التحيات و كانت تلك أول مرة يرى فيها شريف وجه صافيناز الملائكي فوجد تشابها كبيرا بينها وبين ابنتها ، بل و تشابها بينها وبين زوجها أيضا ، فعلق على هذا وكان ذلك من دواعي ابتسام صافيناز التي تذكرت قول زوجها لها منذ ساعة عن التشابه بينها وبين والديها ، ابتسمت لأنها لا ترى أي وجه للتشابه بين زوجها ووالدها ولكنها الروح المشتركة بينهما قد تكون السبب في التشابه.
نظر شريف لصافيناز وقال :
" لكم أرى ألما في هذا الوجه ، لو لم يكن لدي معرضا أريد أن أنهي لوحاته لرسمته الآن وهو في شدة الألم ".
لم يخفي وجه صافيناز الفزع مما سمعت و نظرت بعيدا لئلا تكشف عينيها أكثر من ذلك فاعتذر شريف قائلا :
"أنا آسف ، فمن كثرة رسمي للعيون يمكنني أن أقرأها بسهولة ، ولا أٌقصد التدخل"
دخلت بهيرة في الحديث :
" تقرأ العيون ، هذا جديد ، إن أمي تبكي كثيرا و أنا أريدك أن تقرأ عينيها ، هل يمكن أن تعرف لماذا تبكي؟:
ضحك شريف مع بهيرة ليخفف من إحراج صافيناز و قال :
" أنا أقرأ عيونك وهي تقول إنك لم تشربي اللبن اليوم "
انتهى بينهم الحديث حتى تلك النقطة ، ذهبت صافيناز بعيدا وتركت بهيرة بجواره و هي تتلصص عليهما بين الوقت و الآخر لأنها لم ترد أن تتركها معه لعلها تشغله عن لوحاته ، بعد قليل نظرت إلى اللوحة التي يرسمها فأذهلها أنها تشبه إلى حد كبير اللوحة التي رأتها لدى وجيدة .. فأجزمت أنه نفس الفنان و ربطت بينه وبين مازن الذي تحدثت عنه وجيدة كثيرا.
دفع صافيناز الفضول لأن تتعرف أكثر على شريف لتعرف مدى ما يعلم من ماضي وجيدة و هل ظنها في محله ، اقتربت منه مرة أخرى و قالت :
" أرى أنك ترسم وجوها كثيرة متشابهة في لوحاتك ، هل هذا هو النمط الذي تحبه يا أستاذ .."
صمتت لتعطيه الفرصة في الإفصاح عن اسمه فقال:
" أنا اسمي شريف يا فندم ، أنا أشعر أنه لديك حس فني فهل قمت بتجربة الرسم من قبل "
عبرت صافيناز بوجهها على ما يدل على الرفض مع الحسرة و لكنها أضافت :
" كنت أتمنى ذلك و أتذكر أن مدرِّسة الرسم أرادت أن أضع رسمي في معرض عالمي للأطفال و لكن "
صمتت قليلا لتكمل :
، لم يتبن أي من أهلي هذه الموهبة ".
ابتسم شريف مجيبا:
" لا أحد يتبنى موهبة ، فالموهبة تطغي بنفسها ، أنا لم يتبنى أحد موهبتي ، و إن أردت فأنا يمكنني أن أرعى موهبتك ، هيا خذي لوحة وفرشاة وابدئي برسم ابنتك كما ترينها و ليس كما تبدو ، أريني ما هي موهبتك "
أخذت صافيناز اللوحة وهي فرحة وذهبت إلى جزء خاص بها في حديقتها طالما أحبته و جلبت لابنتها بعض من ألعابها و أجلستها و طلبت منها أن تلعب أمامها لتتمكن من رسمها ، بدأت صافيناز في خلط الألوان و أمسكت بالفرشاة و لكنها وجدتها غليظة و هي تحب الرسم الدقيق المنمنم فذهبت مرة أخرى لشريف لتطلب منه فرشاة أدق فاتفقا على أنها يجب أن تكون بجواره لتستطيع استخدام أدواته المختلفة فانتقلت هي و بهيرة و تبادلت مع شريف أطراف الحديث و تطرق الحديث عن الحزن الذي يظهر على الوجوه و كيف أن الفنان يستطيع أن يرى ما وراء الطبيعة و عندها بكت بحرقة دون أن تتمكن من التوقف ، فهي مازالت متأثرة منذ الصباح الباكر و اسقط في يد شريف فهو لا يستطيع التعامل مع تلك المواقف ، و لكنه قال و بتردد :
أنا آسف لجلب التعاسة فيبدو أنني أنشرها حولي ".
اضطربت وحاولت التوقف بشدة و نفت بأدب ، لكنه استطرد لكي يخفف من وطأة حزنها :
" أنا عشت طفولتي كلها تعيس ، أنا أشعر بالذنب الشديد ، فكل يوم استيقظ و أنا حزين "
نظر شريف بعيدا و أكمل :
" كنت أسرق من أبي النقود لأشتري ألوان و أخبئها في الجراج مع البواب ، كنت أشعر أنني مخطئ و لكنني لم أتوان عن فعل أي شيء لدعم موهبتي ، كنت أرسم و أنا أبكي لأن لوحاتي كانت كلها من الحرام "
أجابت صافيناز :
" أعتقد أن أخذك أموال والدك لا يعتبر سرقة ، أليس كذلك"
أكمل شريف وكأنها لم تعلق ، فهو يتحدث عن ذلك لأول مرة في حياته ، دون خجل ، كانت تلك لحظة تاريخية في حياته لم يرد أن يقطعها.
لقد سامحني والدي و لكني لم أسامح نفسي ، أنا أشعر بأن الفرشاة مدية في يدي و أشعر بأن الماضي جاء ليقتلني .
نظرت صافيناز إلى الألوان وهي تقول :
" أنا أشعر بجبل على قلبي و أريد أن أزحزحه و لكن هيهات ، فجرمي هو قتل نفس بغير نفس ، هل تصدق أنني يمكن أن أقتل ، للأسف أنا لا أصدق إلى الآن ".
جفل شريف و سقطت من يده الفرشاة وارتعد ، فأعصابه الآن ضعيفة و نظر لصافيناز نظرة المرتعد فجرت صافيناز و أخذت بهيرة و دخلت إلى المنزل نادمة على استعجالها في الإفصاح عما في قلبها من حزن و ندم.
لا تعليق فالاجزاء رائعة الحبكة وهى منفصلة وهى متصلة واجدنى عاجزا عن الكلام الا بعد الانتهاء واخاف انتظار الانتهاء فيتوه منى الكلام ربااااااه ماذا افعل؟؟؟
ردحذف