الفصل السادس والعشرون ، هموم لا يزيلها النوم


(26)
  نهض عماد من نومه مجهدا جدا فقد أمضى وقتا مع مازن وحده في صالون المنزل  حتى ساعات الفجر ، لم يصدق معظم ما سمع لكن مازن أكد له كل المعلومات ، لو عاش عمر فوق عمره ما استطاع أن يكون مثل تلك الفتي ، إنه شاب صغير السن ولكن اعترك الحياة من بداياته وأدرك عماد انه يستطيع أن يفعل الكثير .
حاول أن يفيق من نومه على الرغم من أن ما سمعه بالأمس كان محبطا جدا و غير مشجع على النهوض ولكنه يستلزم الكثير من التخطيط.
تحرك عماد في الفراش كثيرا و أثار بعض الفوضى في الغطاء ثم نظر إلى زوجته الحبيبة بجواره ليجدها لم تنهض بعد ، فتعجب لأنها دائما تستيقظ من أقل حركة يفتعلها و تبتسم لأنها تعلم أنه يتحرك ليوقظها .
لم تبدأ صافيناز يومها بضحكة مشرقة من ضحكاتها ،  لم يعتد عماد على ذلك فجلس بجوارها و قبلها على خدها وقال:
" ما بك يا صفصف "
لم ترد صافيناز و لكنه شعر بمياه على شفتاه و أحس بطعم الدموع فانقبض قلبه ، إنه لم يرها تبك منذ زواجهما إلا في بعض المواقف القليلة ، انفطر قلبه وشعر أنه على استعداد لمواجهة العالم كله لو استدعى الأمر ليزيل عنها ما يحزنها.
التف حول السرير وجلس بجوارها على الأرض و أخذ وجهها بين يديه وقال :
" يا بهجة حياتي ، يا عيوني التي أرى بها ، ما بك ، أنا لن ابرح المنزل قبل أن اسمع ضحكتك تشرق مثل كل صباح ".
كانت صافيناز تبعد عينيها فهي لا تريد أن تلتقي بعينيه و كأنها لا تريده أن يرى ما بداخلها ، رغم أنها قررت ألا تترك الماضي أن يعذبها ، فمنذ جلست مع وجيدة وهي تتعذب من ماضيها فقد قفز الماضي أمامها و لكن كيف تخبر عماد وهي محط ثقته ! ، كيف سيتلقى الخبر منها و يعلم أنها خبأته عليه طوال تلك السنوات.
" أنا قلق جدا ، و أريد أن أعرف "
ضرب الهاتف المحمول فاضطر لأن يلف حول السرير ليجد اسم سليم ابن كامل الشافعي عضو مجلس الشعب و الرجل السياسي المهم فأمسك به و نظر إليها ، تردد ولم يرد ، أراد ألا ينشغل عنها و لكنها قامت و التصقت به و فتحت الهاتف ووضعته على أذنه و سمع هو صوت سليم :
" أنا لازم أشوفك ، مصيبة ، أنا مش عارف أنام من امبارح ، الله يخرب بيوتهم كلهم ، الدنيا دي زبالة ".
سمعت صافيناز الحديث فقررت أن تترك الحزن جانبا ، من الواضح أن هناك حدثا هاما حدث و أن عماد يريد أن يتفرغ له.
مسحت صافيناز عينيها من الدموع و بعدت عن زوجها و أعطته إشارة لأن يكمل الحديث ودخلت حمامها الخاص لتغسل وجهها بالماء البارد و تتوضأ لعل الماء يذهب الشيطان عنها
أكمل عماد الحديث بسرعة قائلا :
تعال إلى المنزل ، الهاتف لا يصلح لمثل تلك المحادثات
انتظر عماد أمام باب الحمام لحين خروج صافيناز فأخذها على غفلة بين ذراعيه وقال لها :
" كما قلت لن ابرح هذا المكان حتى أعلم ما بك "
أجابت صافيناز بحزم :
" كانت العبرات تخنقني ، فأنا أشعر أني لست ذات أهمية لدى أمي ، هي لم تحدثني منذ أسابيع و لا يهمها أن تحدثني ، أنا لا أعلم السبب "
قالت ذلك وهي كاذبة ولكنه صدقها فهي لم تتخابث عليه من قبل و قال محاولا أن يضحكها:
أنا أعلم سبب ذلك ، لقد وجدوك بجوار الجامع و بالصدفة كنت تشبهين والدتك ووالدك و لذلك قررا أن يقوما بتبنيك"
ضحكت صافيناز لأنها بالفعل أثبتت بقوانين الوراثة أنها ابنة الاثنين فأخذت لون عيون والدتها الخضراء و لون شعر والدها الأسود الفاحم و أخذت طول والدها ووجه والدتها الدقيق الصغير ، فهي مزيج جميل من الاثنان.
عندما ضحكت صافيناز ، زال عنه القلق
بدأ يوم عماد كعادته بالإفطار في الشرفة مع زوجته ، و صاح مناديا :
" أم محمد ، الإفطار ".
نظر إلى صافيناز وهي تشرب الشاي ووجد الحزن يسقط من عيونها و تأكد من أن هناك ما يحزنها ويقلقها و أنها لا تريد إزعاجه فأبدى اهتمامه قائلا :
" أنا أريد أن آخذك في رحلة لمدة يوم ، وحدك تماما ، سنذهب إلى فندق جميل بين أحضان  التاريخ ، في سفح الهرم ، أنا لا أريد أن أرى  هذا الحزن في وجهك ، أريد الصراحة ، الآن لا أصدق ما قلته عن قلقك من علاقتك بوالدتك ، هناك شيء أريد أن أعرفه ، و سأعرفه.  "
نهضت صافيناز و أخذت عماد بين أحضانها و قبلته وهي تبكي و تقول :
" أنت حبيبي و ليس لي حبيب غيرك "

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

علامة الاذن التيسير

يجب التمهيد لوجود برص في البيت

الانسان تاريخ