خطوات ثابتة في زمن مهلهل




المهندسة / كوهينور احمد عثمان
حاصلة على بكالوريوس هندسة قسم هندسة كهرباء قوى وماجستير كومبيوتر في انظمة الحاسب computer modelling
ناشطة في العمل الاجتماعي والخيري
كاتبة قصص اطفال وسيناريو كارتون
محللة نظم ومصممة برامج ملتي ميديا
حاصلة على شهادة في تقنيات ماسجوتوفا لتقوية المسارات العصبية
حصلت اثنان من قصصي على المركز الاول في جائزة سوزان مبارك لادب الاطفال
حصل كتاب رحلة في النيل على جائزة تقديرية في جائزة سوزان مبارك لادب الاطفال
حصلت على مركز اول في مسابقة القصة القصيرة في نادي اسبورتنج
حصل فيلم الكارتون الذي قمت بكتابة السيناريو له على جائزتين
·         افضل فيلم اختاره الاطفال في مهرجان القاهرة لسينما الاطفال
·         وافضل فيلم في الوطن العربي في مهرجان القاهرة لسينما الاطفال
امين عام مؤسسة اشهد للرعاية والتنمية سابقا
رئيس مجلس ادارة جمعية جواهر الحياة سابقا
رئيس مجلس ادارة مركز تدريب سنتر سابقا
مديرة شركة مينجيت للملتي ميديا سابقا
رئيس مجلس ادارة جمعية جواهر الحياة سابقا
عضو مجلس ادارة جمعية حماة المستقبل
ابنة المرحوم الاستاذ احمد السيد عثمان المحامي بالنقض ورئيس نيابة المحكمة العليا في ليبيا ومستشار النائب العام
هذه المذكرات هي خطوة اقوم بها لرصد تجربة في مجال العمل الخيري والتنموي في الاسكندرية والبحيرة واتمنى من الله ان يقبلها وان تكون تلك الخطوات التي سرتها هي خطوات تثبت في المجتمع وخاصة ان المجتمع الحالي لم يعد بتماسك المجتمعات في العقود السابقة

كان والدي بطبيعته خفيف الظل ولكن طبيعة عمله اضفت عليه الالتزام وعدم اظهار المشاعر وكان ابا رؤوفا وكان يميزه انه يعشق عمل الخير وكنت لا اراه مبتسما سعيدا بطريقة واضحة الا في المواقف التي يقف فيها بجوار مظلوم او يقدم خدمة لمسكين واتذكر عدة مواقف له كانت علامات في حياتي
فهو قام باظهار نقاط غفل عنها  الدفاع عن احد المتهمين وكان السبب في براءته وحين اخبرته ان هذا عكس ما علمنا في حياتنا ان النيابة تطلب اقصى العقوبة وعلمني ان النيابة تمثل الشعب وانها تبحث عن العدالة  ولذلك فهي تقدم الادلة لمنصة القضاء لكي ترسي العدل
ايضا كان يقوم في كل عيد بالتهنئة لكل من ابتعد عن الصورة وكان يخبرني انه يقف للفراش ويحييه وانه يتجنب الوزير خاصة ان مكتبه بجوار النائب العام في طرابلس ليبيا كان التالي للوزير فكان عليه ان يلف من داخل المبنى لكي يدخل مكتبه دون المرور امام مكتب الوزير حتى لا يكن عليه التحية فتكون بها شبهة نفاق
ايضا كان يخبرني ان علي ان اجامل المسكين واشيد بثروته فكنت اتعجب لان المسكين ليس له ثروة فكان يخبرني ان اسرة المسكين ثروته وان علي دائما ان اتحدث مع المساكين عن اولادهم وان اجبر خاطرهم
كانت مواقفه كبيرة في حياتي وحب اهل طرابلس له وكل من تعامل معه بلا استثناء في الخمسينيات والستينيات حين لم يكون هناك بترول ولا ثروة ولم تتاثر تلك العلاقات بعد ان زادت ثروتهم واعتنزا
كان ابي من القلائل الذين بدأوا حياتهم في منظومة العدل كمحامي وانتهى كمستشار فهو كان مستشارا قانونيا لهيئة الضمان في ليبيا والتي تعتبر دولة داخل الدولة من كثرة ما تمتلك من اموال واصول ومنها طلبه النائب العام معه لكي يكون من مستشاريه ودخل في السلك النيابي وكان رئيس نيابة المحكمة والعليا 
دائما ما كان يشجعني انا واخوتي على التجربة والخطأ وانه قد يكون مستقبلك مبنيا على هواياتك قبل شهاداتك وشجعنا كثيرا على ان نعتني بهواياتنا فكنا نعزف البيانو ونقوم بالتصوير والتحميض المنزلي وصيد العصافير والرسم بالزيت وغيرها من الهوايات المتنوعة ولم يبخل علينا باي من الادوات التي تساعدنا على سبر غور انفسنا والتدبر في الحياة بما فيها السفر في اماكن كثيرة وكثرة التنقل وعدم الارتباط بالماديات
ساعدني هذا على ان اتغير واتنقل والا ارتبط بمكان واحد ولكن اتأقلم بالمتاح اينما تضعني الظروف وتسمح
اما امي فكانت سيدة ذكية متفتحة رزينة العقل من اصول تركية تحب الالتزام وتساعدنا على ان نراعي مشاعر الجميع والمحافظة على الاسرة بكل كياننا وكانت مواقفها من اي من العاملين في منزلنا ان نحفظ كرامتهم حتى انها كانت تصر على ان اقوم بايصال العاملة في المنزل الى باب بيتها ايا كانت اعذاري
ايضا كانت تعد الطعام لعامل النظافة قبل وصوله وتصر على ان تقوم بدعوة اي طفل حولنا في الطريق لو اشترينا اي طعام حتى انني تعجبت حين كنا في زيارة لروما وكنا ناكل الجيلاتي واعطني اموالا لكي اشتري لطفل ايطالي يقف بجوارنا لانها رات انه ينظر الى الجيلاتي في ايدينا
ايضا كانت امي ماهرة في العديد من الحرف اليدوية ولم تقتصر على ما تجيده سيدات عصرها من الخياطة واشغال الابرة ولكنها كانت ايضا تمارس بعض الهوايات مثل استعمال منشار الاركيت وغيرها من المهارات اليدوية وكانت ايضا معلوماتها كثيرة في الحياة
كل هذا اعطاني بعدا ومعرفة غزيرة ساعدتني في العمل الخيري ومساعدة الاخرين في كسب مهاراتهم
تلك الاسرة الخيرة تربيت بين ربوعها وعلمت انه يجب علي ان اشارك من حولي والا اعيش لنفسي واصدقكم القول ان اسعاد الاخرين كان بالنسبة لي هو وقت سعادتي
كنت خصبة ا لخيال كثيرة الاحلام ولذلك كان من الطبيعي ان اقوم بقص الحكايات لاخواي حتى انهم في يوم قاموا بالتنكيل بي لان القصة ظلت ثلاثة اشهر ولم تنتهي ولذلك كنت اجد متعة في ان اجلس وسط الاطفال واحكي حكاياتي واسعدهم بها
نشأت في طرابلس وكان اغلب من حولي من الايطاليين في زمن الملكية وكانت والدتي صارمة في تربيتها فكنت لا استطيع ان البس ملابس النوم بعد الاستيقاظ وكل كلمة وكل تصرف محسوب وتعلمت ان احافظ على تلك القواعد وحين قمنا بالعودة الى الاسكندرية لاول مرة وانا في عمر خمس سنوات لظروف قهرية وكانت ايضا بسبب محافظة ابي على مبادئه وعدم التقرب لاهل الثقة ايام الزعيم الراحل عبد الناصر فتسبب ان نعود في 24 ساعة الى بلدنا الام في مركب بضائع مع سحب باسبور ابي واسرته واضطررنا البقاء مع خالتي لبعض الوقت حتى يستطيع ابي ان يرتب اوراقه
تلك اللحظات الاولى لي في مصر كانت صادمة بعض الشيء لانني احتككت بالبشر ورايت الشارع وسرت فيه مع احدى قريباتي وكانت تسكن في شارع منشا في منطقة محرم بك
تلك المنطقة كانت هادئة وبها مستشفى اسمها مستشفى حساب وخلفها قصر حولته الثورة الى ملجأ للايتام ولان ثقافتي لم تكن تعي هذا فقد كنت اتعجب انني ارى في هذا القصر اطفالا تلعب في حديقة القصر وهي ترتدي البيجاما وعلمت انهم بلا اب ولا ام وتركت تلك الحادثة علامة في وجداني وظللت عمري كله اعلم ان هناك ملجأ بجوار خالتي في منطقة محرم بك
كان مساعدة الاخرين من عملي اليومي حتى ان والدتي ظلت تخبرني ان هناك فاصل بين المساعدة والتفاني وان علي ان اعلم ان لي حياة يجب ان احافظ عليها لاني احيانا اعود مساءا بعد ان تفقد الامل في عودتي وتبدا في البحث عني لتجدني عائدة من الكلية بعد ان قمت بايصال احدى الطالبات التي لا اعرفها الى منزلها لانها كانت مريضة ثم قمت بايصالها هي واهلها للطبيب واحضرت لهم طعاما واعدتهم الى منزلهم ثم اعود واخذ من امي النقد واكرر مثل تلك المواقف ولم اكن اشعر بالوقت حين اقوم بالمساعدة فقد كنت اشعر بالغيرة من الراهبات انهن قررن ان يهبن حياتهن لله وان الاسلام لا رهبانية فيه ولذلك حاولت ان اقوم باقصى ما استطيع لكي اتقرب له
في اليوم الذي كسبت فيه مالا من عملي ولم يكن لمال ابي او زوجي دخل به قررت ان ابحث عن الملجأ واقوم باطعام الاطفال فيه
سالت وبحثت الى ان وجدته خاصة وان خالتي كانت قد توفت وانقطعت اخبار اولادها عني لسفرنا الدائم مع اسرتي ثم مع زوجي سواء كاستاذ زائر لامريكا او اعارة الى سلطنة عمان
وجدت الملجأ ولكنه كان مغلقا ولم استطع الدخول ووجدت بجواره جزار فسالته عنهم فاخبرني ان الادارة الحالية لا تهتم بهم ولا تطعمهم بشكل جيد فقمت باعطاءه بعض المال وطلبت منه ان يقوم بعمل سندويتشات لهم وانني ساقوم بتكرار هذا وضحك مني زوجي لانه شك في ان يوصل الجزار الطعام لانه لا متابعة ولا يراقبه الا الله
قمت بعدها بمحاولة الدخول واستطعت ان ادخل وكانت لحظة مؤثرة لانها كانت في ليلة شتاء باردة وكانوا يلبسون بيجامات كستور تحتها ملابس داخلية مهلهلة وهم حفاة
لم ابك لانني من الشخصيات التي لا تظهر الحزن ولا الغضب فانا اتحكم في مشاعري كثيرا ولكن قررت الا اتركهم بهذا الشكل وبدات خطواتي الاولى في العمل المجتمعي

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

علامة الاذن التيسير

يجب التمهيد لوجود برص في البيت

الانسان تاريخ