اول ليلة




كانت اول ليلة في الملجأ الموجود بمحرم بك هي السبب في ان استمر في العمل المجتمعي فقد شعرت ان هؤلاء الاطفال يحتاجون الرعاية وعلي ان اتحمل بعض المسئولية على الرغم من انني ام ولدي بنت وولد في المرحلة الاعدادية والابتدائية ولكن كان يجب ان اجد الوسيلة التي يوافق عليها زوجي لانني كما اعتدت اقوم باقصى ما استطيع في كل مجال اعتنقه فقد كنت ام متفانية على الرغم من عملي كرئيسة قسم كمبيوتر في معهد تدريب المواني بالاكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا والنقل البحري والذي تطلب تفرغا اضافة الى انني كنت يد زوجي اليمنى في اعداد المحاضرات بشكل الكتروني
كانت الليلة التي قررت الذهاب الى المكان والدخول اليهم هي ليلة عيد الفطر واحضرت معي بعض الكحك والبسكوت والحلويات لكي يمر عليهم العيد وهم في بهجة وكان معي بعض النقود للعيدية ومعي ابنة اخي
كان القصر مفتوحا من الباب الخارجي ولكن بعد ان دخلت ومررت من الحديقة وصلت للباب الداخلي وهو باب خشبي كبير مليء بالاشغال الحديدية وطرقت الباب عدة مرات وفي كل مرة اجد من ينظر الى من الشرفة في الدور الاول
نظر لي مشرف فاستأذنته ان اوزع بعض الكحك على الاطفال فدخل وبعد قليل جاء طفل في سن العاشرة تقريبا ومعه مفاتيح الباب ففتح لي وادخلني انا وابنة اخي واغلق الباب خلفنا ووقف ينظر الينا وسمعت المشرف يهبط عبر سلالم القصر وهي سلالم رخامية بيضاء تعطي ايحاءا بالبرودة لانها كانت ليلة شتوية
وجدت الاطفال يهبطون على الدرجات بشكل طابور منظم واعمارهم من السادسة وحتى الرابعة عشر تقريبا وعددهم لا يكمل العشرين وكانوا يرتدون بيجامات ويظهر من تحتها ملابسهم الداخلية ولاحظت ان ملابسهم الداخلية كانت ممزقة وبعضها ممسوك بعقدة من اعلى وايضا كانوا حفاة ولاحظت انهم يسيرون على جزء من البنطلون وكانه خف يمنع عنهم برد الارض الجافة
كانوا في حالة من السكوت والصمت واستنتجت انهم يهابوني ويهابون المشرف ايضا
لم يبتسم اي منهم ووقفوا وقمت بتوزيع البسكوت والكحك واعطيتهم واخبرتهم انه للعيد ولكن يسعدني ان ياكلوه اليوم
في وقت التوزيع وجدت بعض الاطفال يرتعش من الخوف وينظر الى يدي وهي بها الكحك وكانه في حالة ذعر ولذلك توقفت ووجهت الحديث للجميع واخبرتهم بان ما معي يكفي الجميع واخرجت الكمية كلها امامهم وكنت اشاهد الكبيرمنهم يضع الكحك في جيب في سترة البيجاما لكي يخبرني انه لم ياخذ ولكني ايضا لاحظت ان المشرف كان له قدرة على ظبط ايقاعهم في حالة الهياج وبكلمة منه يصمتون مرة اخرى
لم اترك الفرصة لاتواصل معهم فانا خبيرة في شئون الاطفال للدرجة التي اصبح اطفال العائلة يأتون الي وانا في وسط العائلة ليخبروني بطريقة تلقائية
ايه اللي مقعدك مع الكبار يا كوكا
وكانت تلك الكلمة دائما مسار ضحك من زوجي حين يتذكرها والى الان وانا اصبحت اكبر من الستين عاما مازال الاطافال ياتون وانا في وسط اي مجتمع فبأتي احدهم ليجذبني من يدي لكي اجلس معهم او اقوم بعمل شيء يصعب عليهم فعله وحدهم
بدأت اسألهم عن اسماءهم وكان البعض لديه بعض الصعوبة في التواصل وبعضهم ياتي بجواري بحيث استطيع ان المسه
لا انكر ان رائحة المكان والاطفال كانت منفرة بعض الشيء ولكنني تغلبت عليها بان تذكرت عظم الثواب
اخبرتهم باني سآتي كل اسبوع وسألتهم عن مطالبهم
منهم من طلب طعام ومنهم من طلب طلبات تدل على عدم ادراك ولكن لم اسخر من طلباتهم وناقشتهم فيها ولم اترك المكان الا بعد ان وضعت يدي على رؤوسهم لنتواصل وطمعا ايضا في ان احصل على الثواب بعدد شعرات راسهم
كان الوقت ممتعا على قدر ما كان بمثل الارجوحة العاطفية فابتسامة طفل تسعدك وصمت الاخر يحزنك وتعليق الثالث يحبطك ولكن في النهاية ما يسعدك انك استطعت ان تكسر الحاجز النفسي وان تدخل الى هذا العالم الموحش
لم يحدثني اي منهم لكن تحدثت انا معهم وضحكت ومازحت احدهم حين كان يتحرك حولي كثيرا حتى انني اخبرته انه في الغالب كان برغوتا وتحول الى البشر
 وما زاد من تصميمي في العوده انني حين عزمت على انهاء الزيارة جاء احد الاطفال وهو الان يعمل في مخزن وتزوج وهو سعيد في حياته وقال لي هذا الطفل البريء الذي ما زلت اتذكر وجهه الابيض المشرق ونظرته الحزينة المتشككة وهو يقول :
حنشوفك تاني
رددت:
طبعا
قال :
زي بقية الناس مش حتيجي انا عارف
فقلت له :
جربني ومش حتندم  تحب اجيبلك حاجة معايا
فقال لي :
اسد انا عايز اسد
رددت:
ده ياكلك الاسد ما ينفعش يعيش معاك
قال :
طيب
موتوسيكل
ضحكت وقلت له :
لو قدرت حاجيبلك واحد لكن لو ما قدرتش حاجيبلك بسكوت
ضحك وقال :
اتفقنا  
علمت انهم بعيدون عن الواقع وراضون بالمقسوم لهم وانني يجب ان اقوم بتنمية مداركهم ومحاولة اسعادهم
نظرت الى المشرف واخبرته انني سآتي ان شاء الله الاسبوع ما بعد العيد وانني ساحاول الانتظام
كان المشرف مبتسما ولطيفا وظل معي هذا المشرف اكثر من عشرة سنوات هو ما اعتمد عليه وبالاخص انه كان عطوفا ولم ار منه عنفا في التعامل معهم
حددت موعد ثاني للزيارة وجئت في نفس الموعد
وصلت في الموعد واقشعر كل جسدي وتهافت قلبي حين رايت  وجه الطفل  حين فتح باب الملجأ قائلا :
جت جت مش قلتلكم
وكان واضحا انهم تحدثوا عن زيارتي وكان هناك من لديه شك في مجيئي وابتسمت وانا اقول:
انا لما اقول باعمل يا حبيبي
وكانت الزيارة الثانية افضل لاني رايت الابتسامات على وجوههم والانطلاق في الحديث وتبادلنا الحديث معهم وعنهم
سألت المشرف عن بعض الاطفال وبالاخص الطفل الصامت الذي لم ار منه انفعالا وكان معنا بعض من  سندويتشات الهامبورجر وسندويتشات عسل النحل وبعض الفاكهة والعصائر وكان معي صديقتان واحداهما احضرت مستردة وما اضحكني انهم استساغوا المستردة لدرجة انهم وضعوها حتى على العسل
وجدت احد الاطفال صامتا ولا ياكل فاقتربت منه راغبة في ان اكسر حاجز الخجل والخوف وسالته عن عزوفه عن الطعام فاخبرني ان فمه ملتهب ووجدت بالفعل لثته حمراء فاخبرته انني ساحضر له ما يساعده على شفاء اللثة المرة القادمة وبالفعل احضرت له من الصيدلية مطهر وشاهدت ابتسامته حينها لاول مرة حين وجد انني تذكرت ان به الم في فمه
كانت نزول الاطفال من الدور الاول يتكرر في كل زيارة وهم طابور ولكني كنت اشير اليهم وهم في الطريق فيجيبون على اشارتي وبدات اسألهم عن الكرة ومن يشجع الاهلي ومن يشجع الزمالك وانا اعلم ان معظم الاطفال يحبون الاهلي لكثرة فوزه ولذلك كنت اتعمد ان اخبرهم اني زملكاوية وان عليهم ترك الاهلي ومنهم من يصر على ان الاهلي حديد ومنهم بالوقت مال الى الزمالك وكنت في حالة خروجي من الملجأ اقوم باستعمال الزمارة بيب بيب اهلي بيب بيب بيب زمالك ومع الوقت اصبحوا يصعدون الى الدور الاول ويتزاحمون في الشرفة لكي ينادون باسم الاهلي والزمالك وبصوت عال وشعرت بان هناك شيء اضافته الزيارات وانطلاقهم في الحديث معي اشعرني بالفخر واصبحت اصر على احضار اكبر عدد صديقاتي وزملائي لكي يشعرون ان هناك خارج اسوار المكان اناسا يعرفونهم ويراعونهم
قررت ان اقوم بزيارتهم مرة اسبوعيا  لمدة ساعة واعتبرتها اعتكافا عن الحياة ووافق زوجي على هذه الزيارة ولكن ما شاهده من ارتباطي بالمكان فيما بعد وحديثي عن الزيارة طوال الاسبوع جعل الغيرة تتسلل الى قلبه فقد كان يطلب مني اهتماما اكثر باولادي وبه خلال الاسبوع على الرغم من ان الزيارة كانت لمدة ساعة زمن واحدة لم اكن اهتم بمن يعملون داخل المكان لان ارتباطي الكبير ورغبتي العارمة كانت في اسعاد والاطفال ووجدت ان المشرف عليهم من اهم الاشياء التي تسعدهم او تحزنهم فبدأت الاحظ المشرفين واتواصل معهم
العائلة البديلة
كان هناك ثلاثة من المشرفين ، الاستاذ موسى يعقوب وهو مسيحي الديانة وعلمت ذلك من الاطفال في ثاني زيارة حيث اقترب مني طفل واخبرني بذلك وكانه يريد ان يختبر رد فعلي وانا ابتسمت واكملت ما افعله دون تعليق وما رايته من رحمة وحب من الاستاذ موسى كان اكبر سبب في ان اجعله من المساعدين الدائمين لي في المكان وكان خريج جامعة الاسكندرية كلية الاداب ولديه عمله الخاص في محل له يبيع فيه الخضروات ولم ار في خلال مسيرتي الخيرية من لديه هذا القلب الرؤوف للاطفال والرحمة الشديدة واستمر معي هذا المشرف في برنامج اصلاح الاطفال واسعادهم فترة كبيرة من الزمن تصل الى اكثر من خمسة عشر سنة وكان مثل الاب الحنون والانسان الراقي الذي يحبه الاطفال ويعتبرونه الملاذ في كثير من المواقف ولكن رحمته العالية احيانا لم تكن تساعده في الحزم في التعامل مع الاطفال وفي برامجي الاصلاحية لاخلاقهم وتحسين صفاتهم.
الاستاذ محمد وهو حاد الطباع فلاح شديد المراس يهابه الاطفال ويتقون غضبه ويشتكون لي منه دون ذكر اسمه واستطعت مع الوقت ان اكبح هذا الغضب بان ربطت علاقته معهم بالعمل فيما يحبه وهو الفلاحة وفي الصلاة الجامعة لعله يزيد من التزامهم بالصلاة ، لم تكن لي صلة به مباشرة الا في امران وهما المشتل والصلاة الجماعة فقط
واخيرا الاستاذ عطية الرجل الحديدي الذي لم ار ابتسامته ابدا وكان سليط اللسان مع الاطفال ولا يحبونه ولا يحبهم على الارجح وهذا المشرف اقتصر علاقته معي على محاولة استخراج شهادات ميلاد للاطفال مقابل مكافأة مالية وخاصة انه في تلك الاونة بدأت الحكومة استخدام قاعدة بيانات الكترونية تمكنه من البحث عن اسم الطفل فيها لعله يجد ما يدل على اهله ولم يستمر كثيرا وحمدت الله كثيرا على ذلك واستمرت الادارة في ما بداته معه في استخراج شهادات الميلاد للاطفال ولله الحمد فلم اضطر بعد ذلك ان ابحث عمن يقوم بتلك المهمة
اعتدت على رؤية الاطفال وبدأت في اشراك صديقاتي وزملائي معي في الزيارات لانني تاكدت من ان الاطفال يسعدون برؤية الوجوه الجديدة فكل وجه بالنسبة اليه وجود وتواجد
اتذكر احد الاطفال كان كثير الحركة وكنت اضحك معه وامازحه بانه الحلقة التي تصل الانسان بالبرغوت وتثبت ان الانسان اصله برغوت لانه لا يكف عن القفز والحركة وهناك الطفل الباسم والطفل الباكي والطفل المجادل والمراوغ وغيره من الشخصيات التي جعلتني اعيش في قصص خيالية هم ابطالها
دخولي الى المكان كان بدون اي اسم ولا اي صفة كنت دائما اخبرهم اني فاعل خير يريد مصلحة الاولاد وذلك لاستدامة العمل ولكي لا امثل اي تهديد للادارة في ان لي اطماع في ادارة المكان او القفز داخل المنظومة
كشف المستخبي
بعد عدة اشهر تصل الى السنة كنت اعتدت على المكان واصبحت في زياراتي اتحرك داخل الملجأ ولمحت بعض الزجاج المكسور الذي يدخل الهواء الشديد في الصالة وكنت اعمل حينها رئيس قسم الحاسب الآلي في احد المعاهد التابعة للاكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا والنقل البحري في الاسكندرية وكان بها العديد من العمال اصحاب المهارات و فطلبت من احد العاملين في المعهد  ان يصلح الزجاج ومنه عرفوا اسمي
تعمدت الا اشير الى معرفة اسمي بشيء واني هنا لست بشخصي ولكن بما اعمله مع الاطفال وكان هذا يعطي الادارة نوع من الاطمئنان فلم اجد من يوقف عملي مع الاطفال حينها وان كان هناك تحيزا لي بين المتبرعين في ان اخصص يوما ما لي ولاصدقائي في الاعياد او رمضان فاجد اني لي الاولوية وذلك لما عهدوا من حب الاولاد لتواجدي
كنت في البداية اعتقد ان كل الاطفال كلهم يتامى ولكن علمت ان منهم يتيم بالفعل ولكن منهم من عثر عليه في الطريق لانه ترك منزله وهرب للشارع وفي الغالب يكون من اسرة مفككة الاب والام منفصلان وكلا منهم لا يقوم بمهمة الحفاظ عليه ويتنقل بين زوجة اب قاسية او زوج ام اناني وايضا وجدت بينهم من اتى بحكم محكمة لقيامة ببعض الجنح مثل السرقة او الضرب او خلافه وان المحكمة اودعته في تلك الجمعية فترة تاديب له وفي الغالب هؤلاء الاطفال تاتي امهاتهم لزيارتهم ومعها الطعام وتجلس معه فترات وعلى الرغم من انه اتى عقابا الا انه بين الاطفال متميز لان له ام تسال عليه ولكن خلال فترة رعايتي للاطفال اعلم جيدا ان مثل هذا الطفل يكن خبيثا يقوم بالتمثيل الدائم بانه حسن الخلق طيب القلب لكي يحصل على اي مكاسب في المكان قبل ان تنتهي مدة عقابه
من هذا المكان دخلت الى عالم كنت اعيشه في خيالي مع بيتربان الذي عاش في بلد تمسى never never land يعيش فيها الاطفال التائهون عن اهلهم وهذا العالم لا يكبر فيه الطفل بل يعيش في العمر الذي تاه فيه وبدات اتقرب من الاطفال لكي اعرف قصص حياتهم وسمعت قصصا يشيب لها الوليد ولكن ايضا علمت ان بعض الاطفال يقومون بتاليف القصص وبعضهم يبالغ بل احيانا يعطي لنفسه اسما غير حقيقيا وكانه يريد ان ينسلخ عن حياته الاصلية ويعيش في قصة يكتبها معك بحبكتها
فمنهم من اخبرني ان والده باع كليته وكان يصر ان احضر له مشروب الشعير حتى يحافظ عليها وبعد عدة سنوات جاء رجل لزيارته وقيل انه والده وحين سألوه عن العملية التي قام بها ابنه اخبر الادارة انها عملية الزائدة الدودية ، وبعد عدة سنوات بعد ان ارسلت احد المشرفين للبحث عن اسرته التي كنت اعلم انها في الدرب الاحمر في القاهرة وانها من المناطق المعروفة بسوء الخلق والبلطجة وعلمت انه يتيم الاب والام وان من حضر هو عمه لان له ميراث في منزل مع الاسرة وقصة هذا الطفل وحدها تستدعي وقتا مستقطعا يستهلك كتابا
ايضا من القصص التي اثرت بي ما اخبرني احد الاطفال ان والده كان يربطه في انبوبة السخان في الحمام ويترك له رغيف عيش وزجاجة ماء طول اليوم وهذا الطفل حين اهتدت الادارة الى منزل والده وذهب اليه المشرف ومعه الطفل ليخبروه ان طفله حي يرزق وانه يمكنه استرداده لو اراد فنظر للطفل واخبرهم
نعم هو ابني ولكن لا اريده
هذا الطفل كان يقص ان والده مرة اخذه الى سطح المنزل في العامرية لانه من البدو وانه قام بدفعه من الدور الاول ولكنه هبط على كوم من الرمال فلم يصاب باذى وكان هذا الطفل من اكثر الاطفال دهاءا وكان يستمتع بان يثير الفتن بين الاطفال وبعضها وكان يخبر الادارة بكل ما يحدث في المكان وبالاخص ما يؤذي به المشرفين وكنت اتعاطف مع ضعفه ورغبته في التدمير لانه لم يجد حنانا في المنزل ولكن مع الوقت وجهته الى الملاكمة واخذ بطولات على مستوى الاسكندرية وكان يهرب بين الحين والاخر ليزور والده ثم يعود
اخبرني مرة وهو يضحك ان زوجه ابيه في مرة من المرات انجبت طفلا فاخذه والده وخرج من المنزل وعاد بدونه
ايضا اخبرني احد الاطفال ان والده كان يعنفه طول اليوم وانه كان يستخدم الكماشة في قرصه بدل من يده واراني يده ورايت اثار التعذيب وكانت هناك علامات شديدة العمق في راسه واخبرني ان امه ساعدته على الهرب خوفا من ابيه وانه حين اعادته الجمعية الى منزله طلبت منه الام ان يهرب مرة اخرى وظل في المكان الى ان تركته وعلمت بعد ذلك انه ادمن الحبوب ويعمل حاليا فران ويسكن الفرن
ومن اكثر الاشياء التي تركت في علامة لا انساها الطفل الذي كان لا ياكل من الصحون ولكنه ينتظر الى ان ياكل الجميع فيجلس على الارض وياكل الفتات وهذا الطفل كنت اقوم بمكافأته اذا اكل بنفس المكافأة التي ياخذها من حفظ قرآن او عمل عملا مهما في المكان
ايضا كان هناك طفلا اعتبروه اخرس لانه لم يتحدث ابدا مع اي منهم وفي رمضان اجلسته يوما بجواري وكنت اطعمه بيدي وظل ياكل وياكل وياكل حتى انني شعرت انه يجب ان يشبع فكمية الاكل اكبر من سنه وحين اخبرته ان عليه ان يكتفي توقف واعتقد انه كان مستمعا باني اطعمه بيدي وبعدها تحدث هذا الطفل معي وبدا خطوات عودته الى التواصل مع الاخرين
لم ار احد من الادارة العليا في البداية لاني كنت ازورهم مساءا وكان الاستاذ موسى هو العامل الدائم الرحيم الذي اراه كل مرة ولم اكن اتعامل معهم بالمادة نهائيا بل كنت ازور الاطفال واجلب لهم الطعام والحلوى انا وصديقاتي وكان ذلك عن طريق جدولا اضع فيه كل صديقة في يوم في الشهر وعليها ان تحضر عشرة سندويتشات فقط للمشاركة في المقابلة وبعضهن لم يكتف بالسندويتشات وقاموا باغداق الاطعمة عليهم والبعض الاخر اكتفى ولكن طوال الشهر كان هناك لقاءا اسبوعيا
نظرا لانهم يعيشون بين الناس ولا يجد اي منهم الاهتمام ويشعر انه نكرة في العالم وانه بلا ام تحبه او اب يحافظ عبيه فقد كنت اشعر انه يبحثون عن الهوية  والتميز مثلهم مثل اي طفل يحب ان يحظى ببعض الاهتمام اكثر من غيره وان يبقى بجواري طوال الوقت لكي اميزه عن غيره وكان الطفل يحزن اذا لم ادرك اسمه من اول مرة ولكني كنت دائما ما اخبرهم اني لا استطيع التذكر بسهولة وعليهم مسامحتي على هذا العيب  ولذلك قمت بفكرة اعياد الميلاد ففي الفترة الاولى لم يكن لهم شهادات ميلاد وبالتالي لم اعرف من احتفل به متى ولذلك قمت بعمل قرعة شهرية اختار منها عدة اطفال لان اكتشفت ان عددهم زاد عن الثمانية عشر واصبح عددهم بضع وعشرين طفلا
كنت دائما اخبرهم انهم اولادي وانني انجبتهم ولكن احد ما اخذهم مني في المستشفى ولذلك علي ان احتفل بميلادهم
كان احتفال العيد ميلاد مهيبا فقد تفننت صديقاتي في جلب الحلويات والتورتات واتذكر اول عيد ميلاد حين اتت التورتة بكى بعض الاطفال وهم يرتعشون خوفا من الا تصل اليهم قطعة التورتة وعندها قررت ان قبل توزيع اي طعام يجب ان يحظوا ببعض الامان والشعور بان اي منهم لن يظلم في التوزيع ولذلك كنت اخبر الجميع بان الاطعمة واللعب التي معي تكفي الجميع واؤكد عليهم ان كل طفل سياخذ نصيبه لن ينقص منه شيئا وان عليهم عدم التزاحم وكنت اراقب الطماع الذي يحب ان ياخذ الكثير او الذي يقترح على احدهم ان يتشاركا في النصيب حتى يجور عليه وكنت اتعمد التعليق على اي من التصرفات التي تحدث امامي كنوع من تنبيه الاطفال عن محاولة الاستغلال واخبر الضعيف بطريقة كوميدية لكي لا يشعر المستغل بالتهديد
احتفالات عيد الميلاد كانت في البداية تدور حول الهدايا التي سيتلقاها الطفل وبعد ذلك اخذت سماحا من الادارة انه يمكنني ان اذهب بهم الى خارج الدار للفسحة وبالتالي اصبح كل طفل يحلم بالشهر الذي ياتي اسمه فيه لكي يخرج معي وكنت اشتري الهدايا من الخارج بعد جلسات في احدى المطاعم السريعة وكانت تلك النزهة تظل معهم كذكريات لا ينسوها
كنتاكي ابو شاشة زرقاء
اتذكر يوما اخذت ثلاثة من الاطفال للفسحة وطلبوا مني ان نذهب الى كنتاكي اللي بشاشة زرقاء وهذا ما طلبوه
حاولت اعرف اي من الكنتاكي الذي يتحدثون عنهم فبدأت باول واحد في محطة الرمل بجوار المنزل وللمفاجأة كان هو ما يريدونه ووجدت بجواره شاشة كبيرة للاعلانات وفي هذا اليوم طبلت وجبة عائلية كبيرة وجلسنا ناكل ونحن ننظر الى البحر وفي هذا اليوم احدهم احضر لي هدية بدلا من ان يشتري لنفسه هدية وجلسنا نتبادل الحديث وقال لي احدهم
انا كنت اسكن هنا قبل ان يمسك بي شرطة الاحداث فقلت له اين
اشار الى الصخور التي تضعها المحافظة في البحر لكسر الامواج وعلمت انهم يسكنون على الصخور لان سور الكورنيش يحجبهم عن الناس
قال الثاني وكنا ناتي لناكل باقي الطعام الملقى في نهاية اليوم
بعد فترة وجدت انهم ياكلون قضمة واحدة من الدجاجة ويتركون الباقي فعلمت انهم شبعوا ولكن ضحك احدهم وقال لهم وانا كمان فسألته عما يعني
علمت انهم يتركون الدجاج مليء باللحم للاطفال الذين يعيشون في تلك المنطقة ولهذا لا يكملون قطع الدجاج الخاصة بهم
ايضا كنت اتعمد احضارهم لماكدونالد الموجود بمنطقة سموحة لان به العاب ولكن للاسف كان هناك بعض التمييز العنصري الذي تمارسه بعض السيدات او المشرفين في المكان فكانوا يمنعونهم من اللعب فكنت اخذهم واترك المكان واخبرهم انهم اذا لم يدعوهم يلعبوا فاني تاركة المكان ووجدت ان افضل مكان للعب هو المنطقة الموجودة بجوار القلعة وخاصة انها تتميز بالثقافة المتوسطة والتي تقبل الاطفال شكلا وموضوعا
تسببت تلك الاحتفالات بعدم هروب الاطفال من المكان حيث انني في بدايات زياراتي للمكان علمت انهم يقومون بالهرب وبالفعل كانت الوجوه تتغير كثيرا  الا انه اصبح كل طفل ينتظر اليوم الذي يعامل فيه بشكل مختلف وبتركيز عليه كشخص له اسمه ورغباته وتاتيه الهدية باسمه

ظللت اعمل على التغذية عدة اشهر لانني كنت ارى وجوههم شاحبة وعليها علامات سوء التغذية وكنت في نفس الوقت اجلس معهم فترات اضحك معهم واقص القصص التي اعتدت ان اقصها على اولادي ولكن فرق الثقافة جعلني اغير في نمط القصص فلم اعد اتحدث عن الجنيات Fairies  ولا الاقزام ولا القصص التي تعتمد على الثقافة الغربية وبدأت اجعل الابطال من الريف المصري
الفترة الاولى استمرت ما يقرب من خمسة سنوات كانت تدور حول اشعار الاطفال بالامان واعطائهم روح الاسرة لكي تكون فترة اقامتهم في الملجأ فترة يمكن ان تمر باقل السلبيات
خلال فترة السنوات الخمسة الاولى كنت اركز فيهم على الشعور بالامن الغذائي لانني لم ارد ان ينكسر الطفل امام الجوع وكنت ارى ان المكان ينقصه الكثير من الموارد
اولا كانت الفترة بين الغذاء والعشاء طويلة ولذلك يشعرون بالجوع الشديد خلال ما بعد الظهر وبعد فترة من الانتظام في الاطعام لم اتغلب على الجوع في كل الايام ولكن بالانتظام في الزيارة واحضار الكثير من الطعام مما يشبعهم وزيادة حسن لديهم الشعور بالامان وان هناك يوما ياكلون فيه الى حد الشبع الشديد
ثانيا كانت ملابس الاطفال رثة لا تمنع عنهم الشتاء القارص ولاحظت انني حين كنت احضر لهم الملابس الثقيلة انا وصديقاتي لم ارهم يلبسونها وذلك لقلة التبرعات وكانت الادارة تقوم بوضعها في مخزن فيلبسونها حين الزيارات او الخروج في رحلات وقمت باحضار نسختين من الملابس واحدة للادارة لكي تطمئن انهم سيجدون ملابس مناسبة حين يريدون والنسخة الاخرى ياخذها المشرف على سبيل العهدة يلبسها الاولاد معي حين احضر وكنت اغير ايام الحضور لكي يعتاد المشرف على الباسهم الملابس الدافئة وتعتاد الادارة على رؤيتهم بشكل افضل
ثالثا كانت رائحة الاطفال كريهة لقلة الاستحمام وعلمت ان قلة الاستحمام اتت من عدة عوامل
1-    قلة الملابس
2-    عدم ألية لغسل الملابس الا بسيدة تاتي مرة كل حين لتغسل لهم ملابسهم يدويا
3-    سوء الحمامات
فحين بدات بتوفير الملابس وحين اقول قمت بتوفير لا اعني خلال السرد انني شخصيا قمت بذلك لان منظومة المساعدة المدنية كان يدعمني فيها العديد والعديد من الاهل والجيران والاصدقاء وزملاء العمل وذلك لانني انتقلت بين اعمال كثيرة ولي العديد من الزملاء في كل مكان كنت اعمل به وبالتالي حباني الله برصيد من البشر المساعدون لي في الخير على مدار اعمالي كلها
قمت بتوفير الملابس ووجدت ردود افعال جميلة من الجيران الذين وجدوا تغيرا ملحوظا في الاطفال واعطى هذا التغير بعض الاشارات للجيران بان الادارة لا تقوم بسرقة التبرعات وهذا ما سمعته من اقارب احد زملاء العمل الذي  اتى الى مكتبي ليخبرني ان خالته تعبر عن فرحها في ان الادارة الجديدة (حسب استنتاجها) لم تعد تسرق التبرعات لان الاطفال ظهرت عليهم النعمة وقامت بالتبرع للملجأ وبالفعل وجدت انني خلال زياراتي اجد من يمر على المكان ومعه الطعام والتبرعات لدرجة ان المشرف طلب مني ان اقوم باحضار دولاب له ليضع له التبرعات التي ياخذها عهده ومنها الكثير من الاطعمة الجافة التي يمكن ان ياكلها الاطفال فيما بعد
قمت بتوفير غسالة اوتوماتيكية للمشرف وطلبت منه ان يقوم بغسل الملابس حين تتسخ وبالفعل تغير شكل الاطفال ورائحتهم الكريهة واصبح لديهم بعض الثقة في النفس وانفتحوا معي اكثر
كنت ارى احيانا بعض الخوف في اعينهم وبالاخص من الاستاذ محمد المشرف المسائي وحين كان احدهم يشكوا المعاملة الشديدة كنت اجيب
انتم عارفين انا لو مشرف هنا كنت عملت ايه
ينظر الى الاطفال بنظره سعيدة واكمل
كنت عطيتكم كل يوم علقة
فيضحك الاولاد وكنت اخبرهم ان الصوت العالي والحركة الدائمة والشكوى المستمرة ترهق اعصاب المشرفين وانهم لهم بعض العذر في الخروج عن المعتاد من الرحمة في التعامل لان الحمل ثقيل
وخلال تلك المرحلة وجدت تغيرا ملحوظا في الاطفال وسعادتهم الشخصية ( حاولي توصفي اكتر اليه اللي شوفتيه )
كان الاطفال ينتظرونني في يوم الزيارة ومجرد ما يسمعون محرك السيارة اجدهم في انتظاري مع اصوات
ابلة جت ابلة جت
ايضا كنت اقص القصص فاجد استجابة وردود منهم على ابطال القصة
اتذكر يوما كانت القصة تتحدث عن اقزام فنظر احدهم للمشرف وقال له انها تقول رجال اصغر من كف الايد يا استاذ
ضحك موسى وقال له هاودها اهي مسلياكم
كنت اوزع لهم اموالا واطلب من احد المشرفين ان يشتري لهم ما يبغونه وبالاخص كانت طلباتهم تتجه لعلب الكوكاكولا وليس الزجاجات ولاحظت ان هناك احد البائعين اصحاب المحال بجوارهم كان ياتي يوم زيارتي لانه يعلم ان معهم مكافأت ووجدته ياخذ الاموال ولا يحضر الطلبات فاصبحت ارفض مجيئه وللاسف وجدت ان العديد من الاشخاص يستحلون اموال هؤلاء المساكين ويعتبرون ان هذا الطفل لا يعي ما يريد وانه يرضى بالقليل ولذلك اصبحت اكثر من الفسح بدلا من المال والهدايا
ايضا قمت بعمل كانتين لهم واصبحت المكافآت تصرف من داخل المكان
استطعت ان استخدم القصص في ارساء الحكمة في تصرفاتهم وتصرفات من حولهم واتذكر اهم حكمة اخذها الاطفال وعملوا بها من قصة الذئبين المختلفين وهما الشجاع والخائف وان الشجاع دائما هادئ الطباع مبتسم كريم لا يخاف من الغد والخائف دائما حاد سليط اللسان كثير الهجوم على من حوله وان هذان الذئبان يعيشان داخلنا وكنت انهي القصة
اي ذئب منهما يعيش داخلك
ويجاوب الاغلبية انه الشجاع ولكن كنت اخبرهم
الذئب الذي يعيش داخلك هو الذئب الذي تطعمه وتغذيه وكنت اشير خلال الزيارة حين اسمع عن هجوم من احد الاطفال على الاخر ان احدهم يغذي الذئب الجبان وعليه ان يطعم الشجاع بالرحمة والرقة والهدوء
وفي نهاية تلك المرحلة
هل ما قمت به اعطى نتائجه
وجدت ان التبرعات الى المكان زادت بشكل ملحوظ فقد كنت في بداية زياراتي في رمضان اخاف من ان يمر يوما دون طعام يكفيهم خاصة وانني كنت اعطيهم مكافآة لمن يصوم وكان الاطفال يصومون وكنت اداوم على الافطار معهم يوما في الاسبوع واخاف على باقي الايام واقوم بمساعدتهم في احضار اكبر قدر ممكن من المساعدات في الطعام وبعد عدة سنوات وجدت انني يجب ان اقوم بالحجز المسبق لليوم الذي اطعمهم فيه في رمضان وكنت اذا حضرت اجد من ارسل المشويات والطعام لهم بحيث كانت الاطعمة تزيد عن احتياجاتهم بكثير وعندها قررت ان اتوقف عن التركيز على الطعام والملابس فهذا البند لم يعد محل قلق
وجدت الاطفال يزيدون كل فترة وذلك لعدم الهروب من المكان والذي كانت تعاني منه الجمعية وبعد ان كانوا ثمانية عشر طفلا اصبحوا اكثر من ثلاثين في تلك المرحلة ويزيدون كل فترة وهذا دل على انهم يشعرون بالامان في المكان وارضاء رغباتهم
اصبحت حالتهم النفسية افضل فلم اعد ارى العنف بينهم وبين بعضهم البعض سائدا بينهم واصبح اللقاء الاسبوعي مبهجا لي ولهم واصبحت اعود الى المنزل اتحدث عنهم وعن تصرفات البعض اللذيذة ولكن بدات في النظر الى مستقبل الاولاد وبدأت في مرحلة جديدة وهي مرحلة " انتج واكسب بشرف وكرامة "

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

علامة الاذن التيسير

يجب التمهيد لوجود برص في البيت

الانسان تاريخ