قصة يوم الخميس الفصل السابع ساعة الحزن تتوه العقول

الفصل السابع
بعد ان تركت نادية حجرة زينب كانت تترنح بين يدي فاطمة هانم التي لم يلن قلبها الا لنادية بل كانت تمنحها الرعاية كانها ابنتها الصغيرة ولكنها لم تكن تريد ان تظل معها فهي تريد ان تنتهي من المكالمات التي بدأتها فوجهتها لمخدعها وجلبت لها كوب من الماء وتركتها قائلة لها بالامر
نامي الآن وغدا نرى ماذا سيحدث
ثم اسرعت الى الباب واغلقته مسرعة
جلست نادية في حجرتها تتذكر أيام طفولتها الجميلة ، حين كانت تلعب بالساعات في الحديقة الخلفية لفيلا جدها ، وكيف أنها كانت تنتظر ظهور الضفادع مساءا  لكي تمسك بهم و تغير أماكنهم ثم تتركهم و تضحك وهي تراهم يقفزون.
تلك الذكريات كانت تسهل من حياتها  ، فهي تعيش الآن في بيت للعجزة و عمرها مازال في الخمسينات  من عمرها وان كانت لا تعلم فقد تكون اكملت العقد ولكنها الآن تختلط عليها الامور كثيرا وما يزعجها اكثر هو بعد  زوجها و أولادها عنها وان كانت حضرت جنازته ولم تبك يومها بل ظلت تضحك وهي تخبرهم انه بخير وما الذي يرونه الا دمية
امسكت نادية بصورة والدها الذي لم تره مع والدتها الحبيبة التي اعطها كل الدلال والاهتمام  في طفولتها ، فوالدتها أحضرت لها خادمة مخصوصة لكي تحقق لها طلباتها ، وكانت تجلس طوال اليوم بجوارها و لم تكن لنادية طلبات ، فهي قليلة الذكاء ، قليلة الحيلة ، تحب أن تكون بجوار والدتها و العكس غير صحيح ، فوالدتها تحب الانطلاق و الحركة ، و الأمومة كانت تمثل لها عبء يؤرقها .
"اذهبي إلى خالتك ، انها في انتظارك لتأخذك إلى النادي "
كانت الأم تلقى بعبءها على الخالة و لم تكن الخالة لتبالي ، فهي بالتالي تعطي الأولاد للدادة أو " ناني" كما كانت تسميها ، فهي من الأسر المتفرنجة و التي كانت تعتبر الاسرة الإنجليزية هي المثل الأعلى الذي يحتذى به و لذلك فكل مسمياتها و تعليقاتها كانت مستقاة منهم ، فقد كانت لهم زيارة إلى انجلتر شبه سنوية ، لتجديد العلاقة بين الأسرة و بين المجتمع الإنجليزي ، و لم تكن تعلم تلك الأسرة كم كانت تصرفات أفرادها مستهجنة في انجلترا ، فهم يحبون جدا أن يقلدهم الآخرين و لكنهم لا يحترمون من هم بلا هوية ، بل يحترمون من يحتفظ بهويته ، فالذي يحتفظ بتقاليده  في نظرهم صاحب كرامة ، و لذلك فتقليد تلك الأسرة لهم في التصرفات كانت بمثابة كارت تعريف بأنهم يشعرون بنقصهم ، و يعترفون بتميز الإنجليز عليهم.
لم تكن تعلم نادية أن لديها من الأموال التي ورثتها عن جدتها أم  والدها مما جعلها مطمع و على الرغم من أنها لم تكن من الشخصيات الاجتماعية و الجذابة في نظر الأولاد إلا أنها في سن الشباب كانت من الشخصيات المشهورة لدى الأهالي ، و بالتالي عرض عليها العديد من أولاد العائلة و كانت تتمنى أي منهم أن يتزوجها ، لأنها كانت تبحث عن الانطلاق و الفسحة و لكن تزوجت في النهاية من ابن خالتها الرجل المدلل الذي فاته القطار لانه لم يكن من اصحاب الشخصيات الجذابة شكلا وموضوعا
انتهت نادية بان عقد الاهل صفقة تجارية أمنت لزوجها مستقبلا باهرا مقابل عروس ليس لها في الحياة اي علامات.
كانت نادية تقول لصديقتها الوحيدة انا اشعر اني بلا وزن انظري حتى الرمال لا اترك فيها علامة وتسير على الرمال وهي تضحك وصديقتها تنظر لترى علامات قدمها ونادية تؤكد لها ان تلك العلامات كانت موجودة من قبل
بكت نادية فهي تذكرت كيف كانت تتعامل معها بناتها حين بلغت الخمسين من عمرها ، شعرت بالحسرة لأن بناتها الأربعة كن بعيدات عنها ، و كن يعتبرنها مصدر إحرج لهن ، فهي تتعثر و تتحدث بثأثأة بسيطة ، لأن السنوات لم تعطيها ، بل أخذت منها الكثير من الثقة بالنفس ، فكيف تجد نفسها وهي لم تشعر يوما أن زوجها يحبها ، و كيف تشعر بالثقة و بناتها يتجنبن الظهور معها في أي محفل عام  بل و ينكرن طريقة لبسها و زينتها و يقمن بالضحك من تعليقاتها البريئة.
ظلت تبكي حتى سمعت نازلي صوت بكاءها فدخلت لحجرتها و أخذتها بين أحضانها و هي تقول :
" لا تفعلي ذلك أرجوكي ، كلنا كنا نحبها "
نظرت نادية لنازلي و هي تقول :
" أنا لا أصدق يا نانا ، هذه السيدة لا يمكن أن تكون انتحرت ، فهي كانت تتحدث معي عن مال أخذته من إيراد المحلات التي تركها والدها و كانت تريد أن تقيم مشروع صغير لنا نتعلم فيه صنع بعض المهارات في صنع الحلي و أنا شجعتها فكلنا نحب الحلي "
تحدثت نادية باستفاضة عن المشروع و الأموال و أكدت على أن الموضوع ليس انتحارا
أجابت نازلي الطبيبة النفسية و أكثر السيدات انطلاقا و ثقافة :
" لم يقل أحد انتحارا ، و لكن قد تكون قد انزلقت و سقطت على رأسها ، وقد يكون أي سبب آخر ، سنعلم يا حبيبتي فلا تكتئبي"
وضعت نادية رأسها في صدر نازلي و بكت كما لم تبك من سنوات ، حتى أن ملابس نازلي ابتلت من البكاء و أخذت نازلي بوجه نادية و قالت :
" أنا طبيبة و أعلم أن تلك الدموع ليست على كرم ، فأنت لم تكوني صديقتها الحميمة "
انصتت نادية إلى نازلي ، ثم بدأت تتمتم بكلمات ليس بينهم أي ترابط ، و قالت أشياء بلا معنى و كأنها غابت عن الدنيا الحالية ، فضحكت و قالت :
" أنا أعرفكم جميعا من النادي ، أنا كنت ألعب معها بالعرائس في الجنينة ، زوجي هو الذي قتلها مثلما قتلنا كلنا ، منها لله الفلوس التي تتسبب في كل تلك التعاسة ، أنا أكره الفلوس و أكره من يحبها ، كرم تحب الفلوس و تحب أن تلعب بها "
نظرت نازلي بجوار مخدع نادية  ووجدت بعض الحبوب المفرغة على الكومودينو فقالت لنادية
هل تلك الحبوب لك
نظرت نادية بنظرة طفولية واشارت للدولاب
ذهبت نازلي للدولاب وتناولت الزجاجات المختلفة وعلمت ان نادية تعاني من بعض مشاكل الانفصام وانها تحتاج دائما للحبوب فأخرجت بعض من الحبوب الخاصة بها و أعطتها لها  وتأكدت من انها اخذت الحبوب و أودعتها السرير ، ثم قبلتها في جبهتها وأحكمت الغطاء و خرجت من الغرفة ، دون أن تنظر للخلف لكي لا ترى نادية وجهها وقد سالت دمعة على خدها .
سمعت نادية الباب ينغلق فقامت مسرعة من السرير الى الدولاب لتفتحة وتغلقه وهي تقول
قتلتها كما قتلتني  وتفتح الباب وتغلقه بقوة وتدفع به مما اثار اصواتا عالية سمعها من حولها فعادت نازلي الى نادية لتهدئها وتقبلها بحنان وتأخذها بين احضانها وهي تقول

ربنا يعدي اليوم  ده على خير

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

علامة الاذن التيسير

يجب التمهيد لوجود برص في البيت

الانسان تاريخ