الفصل الثامن - منتجعات سويسرا

الفصل الثامن
  وقفت زينب أمام النافذة و هي تبكي بكاءا حارا ، لا تدري أكانت تبكي على كرم ، أم كانت تبكي على الأيام التي ضاعت هنا في هذا الدار ، فهي لم تكن تريد  أن تموت وحيدة في غرفة ، مثل كرم ، فلا تجد من يحزن عليها و لا من يقف بجوارها ، حين اخبرتها ابنتها الوحيدة انه عليها ان تقيم في تلك الدار لكي تطمئن عليها اوقات النهار كلها لم تظهر لها اي اعتراض على طريقتها في التفكير او حزنا على انها اختارت الطريق السهل لكي تلقي بمسئوليتها على الآخرين .
ان لحظة قول ابنتها ان عليها الذهاب الى دار للعناية بها توقف عندها الزمن وعاد مرة اخرى حين انقطعت عن زيارتها ، فهي لا تعلم سبب هذا ولا ذاك وما تعلمه جيدا ان ابنتها طيبة القلب رقيقة الاحساس وانها تتحمل المسئولية ولا ترهقها المهام فهل ارهقتها امها
اخرجت زجاجة السيانيد من صدرها وذهبت لتودعها في الدولاب وهي تمسح  دموعها و تهز رأسها قليلا لتخرج الافكار من رأسها وسمعت  خبطات على الباب فذهبت وفتحت لتجد عويس ومعه الطلبات وكان يبتسم وكأنه في يوم من الايام العادية فسألته
اتضحك وهناك من مات اليس لديك احساس
نظر لها عويس وهو يقول
ليس اول ولا اخر من يموت هنا يا مدام المكان بوابة وكلنا لها ،
اقشعر جسد زينب لجسامة ما يقول ولكثرة برود هذا الرجل القميء ، قالت لنفسها : يجب ان اتحدث لاصحاب المكان عن سلوك هذا الكائن العجيب
احضرت لكم الطلبات هل ستأخذي طلبك الان
اعطاها لفافة المسكن وهو ينظر الى يدها وهي ممسكة بزجاجة السيانيد وعيون الفضول تعاظمت لديه فسألها
ما هذا الدواء ، فيتامين ام دواء آخر
جفلت زينب حين سألها عن السيانيد وترددت كثيرا وتلعثمت وهي تقول
فيتامين لزيادة التركيز واخذت الطلب وعادت  لتضعه في الدولاب ووضعت بجواره زجاجة السم واعادت نظرها الباب  لتجد هذا العويس مازال واقفا بجوار الباب مادا وجهه ويبتسم وهو ينظر اليها انتظارا لبعض النفحات الاضافية التي تلقيها له السيدات  
كانت تعلم انه يريد بقشيشا على الرغم انه يأخذ اكثر من سعر الطلبات ولكن الجشع ليس له نهاية فاخرجت مبلغا من المال اكثر من كل مرة ولا تعلم لماذا فعلت هذا وكأنها تشتري سكوته عما رأى
انتظرها تأتي وهي تسير متراخية لان مفاصلها لم تكن توجعها فقط بل كانت ضعيفة من مفاجأة ان احدا رأى زجاجة السيانيد
اخذ ما دفعته له ونظر اليه بجرأة زهو يتأفف ليشعرها بقلة البقشيش وقال
لو اردتي ان اشتري لكي من هذا الفيتامين فلدي الكثير من الفيتامينات يا هانم فاهماني
انا بتاع الفيتامين هاها
ضحك مع الكلمات وهو يغمز بعينه الملونة والتي طالما تباهت امه بها في الحارة
بالطبع لم تفهم ولكنها ابتسمت ابتسامة صفراء  واغلقت الباب وهي تتمتم
مش وقتك
ثم اكملت وهي تحاول الوصول الى الكرسي
يا ساتر يارب على السماجة
قامت بعمل كوب من الشاي واخذت بعض من البسكوت الخاص الذي تحبه وتأكله بين الوجبات ثم جلست وهي تفكر بإن كرم سيدة فاضلة ، لا أحد يعلم ما الذي جعلها وحيدة ، فهي تمتلك المال و الأعمال و مع ذلك  لم تر أحد يمر عليها أو يسأل عنها ، لعلها بلا أولاد ، و لكن أليس لها أخوات أو أقارب ، أليس المال كالمغناطيس يجمع الأهل حول أغنياء الأسرة .
سمعت فتح الباب وخطوات صفية وهي تدخل الحجرة فهي معتادة على ذلك ولكن كان وجهها مختلفا تماما عن كل مرة
قالت صفية بتلقائية وهي تخفي السبب الحقيقي للمجيء وكأنها جاءت لتطمئن على زينب ، مما جعل زينب تطلب منها الجلوس ،  و بدأت تدفعها للحديث قائلة :
" ما الذي يخيفك من الموت يا صفصف ، أراكي مضطربة ، هل هناك ما يزعجك"
وكأن تلك الكلمات فتحت لصفية أبواب البكاء كلها ، فانهمرت دموعها التي لم ترها زينب و لم يرها أحد في الدار، إن صفية متماسكة بطبعها ، و تهتم للمظاهر ، إنها لا تحب أن يراها الناس في لحظات ضعف أبدا و لكن لم يكن بيدها حيلة الآن.
انا في مصيبة الآن
قالت الكلمة وتحركت بسرعة ثم عادت لتجلس امام زينب وهي تمسك يدها كانها تريد ان تشعر انها ليست وحيدة
"لا أدري ماذا أفعل ،  أنا أكذب على أصهاري لأكثر من سنة الآن ،
تقول الجملة وتتحرك مرة ثانية وتنظر لوجه زينب لتعلم ما تأثير ما تقول عليها
أنا أخبرهم أني أسافر إلى منتجع في سويسرا في الوقت الذي أمضيه معكن ، لا أحد يعلم أنني هنا ، و الآن لا أعلم ما الذي سأقوله لهم حين يعرف الجميع أنني هنا في هذه الدار "
وضعت زينب يدها على فمها  و صمتت ، فهي لم تعتاد على الكذب ، إن مثل تلك المواقف تشعرها بالحرج الشديد و لذلك فهي تعلم جيدا  كم هو محرج مثل هذا الموقف الصعب الذي  وضعت صفية نفسها فيه .
"و لماذا كذبت ، ما الداعي لذلك ؟"
سألتها زينب لأنها لا تعلم ان صفية كل حياتها تملق لمن هم افضل وتواصل مع من لديهم الاموال لتنتسب الى صفوة المجتمع
أن صفية ضغطت على ابنها ان يناسب احد العائلات الغنية جدا حديثا ، تلك العائلة تحب أن تتباهى بكل ما تمتلك مثلها مثل العديد من حديثي النعمة الذين يعتبرون ان ممتلكاتهم واموالهم التي يصرفونها هي ما يميزهم في الحياة ويرتقي بهم في مصاف العليين وأرادت صفية أن تجاريهم في طريقة إظهار ثروتهم ، لكنها لم تكن تمتلك قدر ما تريد أن  تظهر ،  لذلك أرادت أن تشعرهم بأنها في إمكانها تمضية معظم أوقات السنة خارج البلاد في منتجعات مختلفة حتى لا تشعر بأنها أقل منهم في شيء.
قالت صفية و هي تبكي :
"ظروفي يا زينب ، ظروفي "
"أنا أريد أن أساعدك في هذا الموقف و لكن أريد أن أعلم ما هي الظروف ؟ ، ثم ما دخل كرم في أن يكشف أصهارك سر وجودك هنا؟"
سألتها زينب و هي متوترة لأنها لا تحب مثل تلك المواقف و لكنها مضطرة أن تساعد صديقتها صفية التي ما فتأت تقف بجوارها و تدعمها في كل شيء ، فهي تعلم أنها لا تتركها يوم الخميس وحدها لانها تعلم انها تكتئب كل يوم خميس وعلمت في لحظة من لحظات الضعف انها يمكن ان تقتل نفسها يوم الخميس ولذلك لازمتها خوفا من أن تقدم على الانتحار.
كانت زينب تعرف ذلك جيدا وتعتبره ملاذها الأخير ، و كأن علاقتها بصفية هي ما منعها من الاقدام على الانتحار ، و لكن في الحقيقة ، إن خوفها من الله هو السبب الحقيقي في ترددها.
تماسكت زينب قليلا ثم أمسكت بكل الحنان كتف صفية وهي تقترب منها و تتحدث بصوت رخيم :
" ما الذي دفعك لتكذبي ، أنت من عائلة عريقة و أملاك جدودك معروفة في البلد ، لماذا الكذب "
ترددت صفية وقالت لها
املاك جدودي انتهت وانا لا امتلك منها شيئا وكما تريني انا لا امتلك حتى الجمال الذي اتباهى به فكيف لي ان اتميز وسط العائلات الكبيرة والغنية
نظرت زينب لصفية كانها تراها لأول مرة فتلك الافكار لم تكن تظهر عليها ولو انها كانت بالسطحية الكافية لان تتبنى افكارا بهذا الشكل
اعادت زينب السؤال مرة اخرى
وكيف سيعلم اصهارك بانك هنا ومن سيخبرهم
قالت الفضيحة والجرائد ، حادثة قتل ، امثال تلك الاخبار ستنتشر وتري صحفيا من هنا ومصور من هناك
انا اريد ان اخرج اليوم ولا اعلم كيف
ساطلب الحساب وادفع واخرج ولا اعود
ردت زينب اعتقد انه من المستحيل ان تخرجي لان سيكون هناك تحقيقا مع الجميع
امسكت صفية برأسها وانتحبت
اه انا في مصيبة
سمعتا خبطات على الباب ثم دخلت مشرفة الدار وقالت
لو سمحتما تعاليا معي الى مديرة الدار فهي تريد الجميع

نظرت صفية نظرة المغشي عليه وقامت زينب واخذتها من يدها وسارت 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

علامة الاذن التيسير

يجب التمهيد لوجود برص في البيت

الانسان تاريخ