قصة يوم الخميس - الفصل الثالث - وفاة كرم

الفصل الثالث

عادت زينب الى حجرتها ودخلت بكبرياء ونظرت الى الكرسي العتيق الوحيد الذي احضرته معها حين اتت وتذكرت حين كانت تجلس عليه وهي في اوج شبابها ومعها فنجان الشاي الاثري والذي اشتراه والدها من مزاد لاحد الباشوات حين قرر اهله التخلي عن ممتلكاته والسفر للخارج
جلست وبحثت عن الفنجان في دولابها وظنت ان احد ما سرقه فبكت وصرخت باعلى صوتها
اين الفنجان
انا اخبرتكم لا احد يعبث بدولابي
وحينها لمح بصرها الفنجان وهو موضوع بعناية على طاولة صغيرة بجوار الشباك
انتظرت قليلا حتى اتت مشرفة الدور تسأل عما تتحدث فنظرت اليها بحدة وقالت لها
دائما يحركون ادواتي وانا احب النظام
اعتذرت المشرفة وهي تعلم ان السيدات القاطنات بالمكان كلهن يعانين من تصلب الشرايين والحدة في التعامل وخرجت وهي تحدث نفسها بانها لن تكون هي والزمن عليهن
تمالكت زينت نفسها وذهبت الى الطاولة بكبرياء واخذت الفنجان وغسلته جيدا في الحمام الملحق بالحجرة وقامت باعداد الشاي المخصوص ذو الرائحة النفاذة وجلست كانها بنت العشرين تنتظر ان يتقدم لها امير البلاد
وضعت ساق على ساق وساعدها في ذلك حجمها الذي لم يتغير على مدار عقود من الزمان فهي لا تترك نفسها لاهواءها ولكنها تحافظ على ما تأكل وما ترتدي
سيدة مجتمعات من الدرجة الاولى  تلك هي نعمتها وتلك هي نقمتها
ارتشفت الشاي وتذكرت زوجها السابق ووالد ابنتها وهو يقول
بنت الاصول تزوجت ابن الجنايني هاها
ما الذي رمى بها في احضاني
انا اشعر انك لا ترتاحين لصدى صوتي اليس كذلك
تتذكر انها لم تجب ولكنها بالفعل كانت تقشعر من انه لا يتبع القواعد الاصلية للنظافة فهو يستخدم المناشف بشكل عشوائي فيمسح فمه بما هي للقدم وانه ياكل بعشوائية ولكنها كانت تحبه كما هو
لماذا لا يغير من طباعه العشوائية ويشعر باهمية الحفاظ على القواعد العامة للنظافة واللياقة
وانتهى بها الحال بلا زوج وبابنه وحيدة قررت ان تكون هي حياتها
لم تستمع لنصائح الاهل ان  ظل الرجل افضل من ظل الحائط فهي مثلها مثل افضل الرجال
وهاهي الان بلا رجل وبلا ابنه
اكملت الشاي وقامت تنضم الى النسوة في الخارج فذكرياتها مؤلمة اكثر من سخرية السيدات وضحكهن الغير مبرر ولذلك قررت ان تستمع الى نكاتهن وذكرياتهن لعلها تسهوا عن رغبتها المدمرة في ان تنهي حياتها يوم الخميس
خرجت زينب لتجد نازلي تحاول شرح العديد من الطرق التي تحسن من اداء اللاعبات وشعرت ان تلك النازلي تريد ان تسيطر على الاجواء وحدثت نفسها بان نازلي تريد ان تسلي السيدات وقالت لنفسها
مالها وتسليتنا نحن مكتئبات حزينات تمر الايام علينا كالسنوات وهي تحاول زج الابتسامة
ظلت تستمع الى الدكتورة نازلي تشرح للسيدات اللعبة و كيف أن التخمين يأتي من معرفة السيدات بما لديهن من اوراق بالإضافة إلى تخمينهم ما لدى الآخرين
انتبهت كرم احدى السيدات المميزات في المكان لكل ما تقوله نازلي وكأنها ستختبرها فيما تقول وكيف لا وهي دائما الاولى على دفعتها وفصلها طوال حياتها اما نادية فهي لا تتذكر كل ما يقال وكانت لا تريد أن تلعب فهي رقيقة المشاعر لا تريد ان تحرج احدا  ودائما ما تجامل فاطمة هانم التي اعتبرها الجميع ابلة الناظرة فهي ما تفتأ  تضع القوانين الصارمة للحديث أثناء اللعب و الأوضاع التي يجب أن تتخذها السيدات في الجلسة ونسبة الضحك من الجد
نظرت زينب للمجموعة نظرة الهائم السرحان فبعد انقطاع زيارة ابنتها المستمر لم تعد تشعر بنفس القوة ولا تنفعل لاي متطورات ولكن الحياة بالنسبة لها اصبحت فيلم ممل يمر امام اعينها
لعبت السيدات الأربعة الاستيميشن لساعة كاملة وخلال الساعة تسمع زينب ضحكات نازلي وتأفف فاطمة هانم وانفعال كرم على الورق واصرارها على ان تصبح اعلى درجة في اللعبة وشعرت زينب ان ما فعلته نازلي يعتبر ظاهرة كونية فالحياة دبت في اوصال البعض
استأذنت كرم في الدخول إلى الحمام و نظرت اليها  فاطمة هانم بنظرة عتاب لانها ستؤدي الى ان ينتظرها الجميع واوحت لها ألا تتأخر لأن هذا يقلل من تركيزهم على الورق و كأنهن في مسابقة عالمية .
انتظرت السيدات أكثر من نصف ساعة و لم تعد كرم ، تأفأفت فاطمة هانم و تململت و أشعرت الجميع بقلة ذوق كرم ، ثم نظرت لنادية و طلبت منها أن تذهب إلى حجرة كرم  لتناديها وهي تكرر  ذكر الذوقيات و أنه ليس من اللائق أن تترك كرم الجميع في انتظارها فهي دائما ما تتحدث و كأنهن في اجتماع دولي عالمي تترأسه هي.
قامت نادية تلبية لطلب فاطمة هانم لتنادي كرم و لكن حينها سمع الجميع صوت ارتطام آت من حجرة كرم التي لم تكن ببعيدة عن المكان .
هرعت السيدات إلى حجرة كرم ليجدوها على الأرض ، جثة هامدة لا تتنفس و الدم يسيل  من رأسها.
صرخت زينب قائلة :
" لا ليس اليوم ، لا الخميس لي  "

وتنبهت أنها وسط مجموعة من السيدات فصمتت لأنها رأتهن كلهن ينظرن إليها بتعجب شديد!

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

علامة الاذن التيسير

يجب التمهيد لوجود برص في البيت

الانسان تاريخ