الفصل الرابع والثلاثون : وليمة الضباع


(34)
أمسك حنفي بالجريدة و قرأ بشغف عن حادثة في قرية نائية تم اختطاف بعض الأطفال منها بطريقة مريبة و لم يستدل على الفاعل و خاصة أن تلك القرية تبعد عن الحضر و العمران بمسافة كبيرة فقام حنفي بالخروج المسرع من مكتبه ليبحث عن علي وهو محمر الوجه و علامات الانزعاج على وجهه  ، سار ناحية حجرة علي  و ما أن اقترب حتى رأى " علي"  وهو جالس و كرشه ظاهر أمامه و يشرب سيجارة مع كوب من الشاي المغلي الأسود  فقال له :
" علي تعال ، أنا أريدك حالا ".
وكانه يتوقعها سار علي خلفه متثاقلا ويدعي عدم الفهم :
" فيه إيه ، ماذا فعلت ، لماذا أنت غاضب "
دخل الحجرة و أغلق الباب ونظر لعلي :
" هذا عمل غير أخلاقي "
قالها وكانه يعنيها فابتسم علي ابتسامه ملأت وجهه وقال له :
" جديدة علي هذه الكلمة ، وما الاخلاقي فيما نفعله يا حنفي "
انتفض حنفي لان علي لم يذكر كلمة الدكتور حين تحدث اليه ولكنه تأكد ان علي وراء تلك الحادثه فأراد ان يقدم له أرضا لئلا يفقده للأبد
غير من لهجته وهو يوقد لفافة تبغ وينفث فيها غضبه ليتحكم في اعصابه
" يا علوة لا يصح أن يظهر بالجرائد ، أنا حذرتك عدة مرات ، هل قمت بالعملية وحدك هذه المرة "
تعمد ان يناديه باسم المداعبة التي كان يناديه بها في الاوقات التي ينجز فيها مهمة بلا تبعات سيئة
نهض علي وذهب للنافذة التي تعكس الاشجار الكثيفة التي زرعها حنفي لتنقي الجو ونفث عدة مرات من لفافة التبغ وهو يحاول الهدوء
نظر له علي من الخلف وهو مبتسم ابتسامة المنتصر فمنذ شهرة حنفي الكبيرة وتعاونه مع وزير الصحة وهو يسير كالطاووس ويتعامل معه كالحشرة وكانه نسي من جعله حنفي او الدكتور حنفي كما يحب ان يناديه الناس
اجاب علي وهو يعكس ثقته لحنفي قائلا :
"وهل اجرؤ يا حنفي على ان اقوم بها وحدي ، من تحسبني ، هل تعتقد انني استطيع ان اعمل ما يعمله الدكتور حنفي شخصيا ؟ "
قالها متهكما ولكن حنفي كان قد استفز فالتفت وقال له :
انك لن تستطيع وان وقفت على اطراف اصابعك ان تكون مثل الدكتور حنفي يا علي، ماذا تظن إنك فاعل ، أنا كنت اعرف جيدا  من إنك ستبدأ بالتفكير في العمل وحدك و لكن ما فعلته هنا هو الغباء بعينه ".
"هنا ! أين ؟  يا حنفي؟ ، هنا أين ؟، أنا لا أعرف عما تتحدث!".
نظر حنفي لعلي و أمسك بالجريدة التي تركها في المكتب وأمسك بقميص علي ووضع الجريدة في عينيه و قال :
" في القرية النائية هناك من اختطف أطفالا ويقولون أن هناك سيارة زارت القرية منذ بضعة أيام و أن القرية أدلت بتفاصيل الأشخاص الذين قاموا بحملة تطعيم لأطفال القرية و يظنون أن هذه السيارة و من فيها لهم يد في تلك الجريمة ".
 على الرغم من محاولته الإنكار إلا أن على انكر وهذا دل على كذب فاضح وهو يقول :
" أنا ليس لي علم بما تقوله "
استمرت المشادة بين علي و حنفي لأول مرة واستمرت المشادة لساعات وفيها علق علي لاول مرة على ان بيع حنفي لكليته لم تكن لانقاذ مستقبلهما ولكن كل ما فعله في حياته كانت لنفسه ولنفسه فقط
شعر حنفي ان الوقت قد حان لبعض التنازلات المادية التي قاومها لسنوات ، فقد تأكد من ضلوع علي في الجريمة المكتوبة في الجريدة و لكنه أدعى أمامه بتصديق ما قاله و أنهى المشادة على موعد للقاء موسع يسمع منه مطالب "علي" كلها.
ذهب علي إلى مكتبه الصغير الحقير وهو في حالة من الرضا و السعادة و قال لنفسه:
" الآن يجب أن أتحدث معه عن مشاركته في كل ثروته فهي كلها من عرق جبيني ".

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

علامة الاذن التيسير

يجب التمهيد لوجود برص في البيت

الانسان تاريخ