قصة يوم الخميس الفصل السابع عشر

الفصل السابع عشر
جلست اخت كرم في منزلها تنتظر الرنين الذي سيخبرها بما لا تعلم عما حدث لاختها في دار المسنين
كيف يمكن لكرم ان تختفي من حياتنا للابد ، انها رمز الثبات والقدرة ، كرم المتفوقة دراسيا ورياضيا ، كرم المحبة الكريمة ، كيف يمكن للحياة ان تستمر وهي غير متواجدة
لو كانت كرم استمعت لتلك الكلمات لعلها كانت تتمسك بالحياة اكثر ولكنها في ايامها الاخيرة كانت تشعر بعدم جدواها وعدم حب الاخرين لها ولكن هيهات ان يعلم الانسان ما حوله الا بالتواصل
امسكت كرم بنوتة في يدها مخطوطة بيد كرم وقرأت
يمكنك عمل البامية مثل الفاصوليا فكلاهما يحتاجات الطماطم المسبكة وهي ما تاخذ وقتها على النار الى ان تظهر السمنة على الوجه
ابتسمت كوثر اختها في الكاف كما كانتا تقولان في المدرسة
كرم اعطت تلك النوتة لاختها بعد الزواج لانها لم تكن تعرف كيفية الطهي وكانت كرم على الرغم من انهما توأمتان الى ان كل منهما عاشت حياة مختلفة
بعد وفاة الاب في سن صغير ابتعدتا عن بعضهما البعض وذهبت كرم مع الجد وزوجته وذهبت كوثر مع الجدة وزوجها وذهبت الام مع زوجها
كانت الابنتان يكبران في اسرة امهما الغائبة ولم تعرفان سبب عدم وجود اسرة الاب في الحياة
في ايام الاعياد تجلس الفتاتان او اهل الكاف كوثر وكرم كما اطلقتا على انفسهما في منزل احد الجدود ويقومان بالاختباء اسفل طاولة الطعام الكبيرة وتحضران بعض من الالعاب وتجلسان كانهما تلعبان ولكنهما كانتا يتبادلان الحديث عن المدرسة والاصدقاء والاب الغائب والام الغائبة وفي كل مرة تتمنى كل منهما ان تظل مع اختها ولا تذهب للمنزل الاخر وتلك الامنية لم تتحقق حتى بعد ان كبرتا وتوفي الجد وبقيت كرم في منزل الجد وهي تساعد الجدة على الحياة على الرغم من انها لم تكن جدتها الحقيقية من الدم ولكن يكفيها انها اعتنت بها وانها كبرت معها وانها لم تسمع منها يوما ما يغضبها
طلبت كوثر منها ان تترك الجدة وتأتي لتعيش معها ولكنها اصرت على تحمل المسئولية وايضا المسئولية المادية لجدها الذي اعطاها الكثير من امواله وهو في كامل صحته واخبرها ان عليها الاعتناء بزوجته والتعامل معها بكرم شديد
تمكنت كرم من الاعتناء بتجارة جدها والذهاب الى المحلات والورش المختلفة والادارة الناجحة لمشاريعه وهي لم تتعدى الثلاثين من عمرها وتعلمت الكثير من المهارات لكي تجاري العمال والصنايعية الذين لم يتقبلوها الا بعد ان علموا انها تعلم ما يعلمون ولكنها تملك ما لا يملكون
استمرت الاختان في البقاء متباعدتان متقاربتان فهما توأمتان متطابقتان مختلفتان وكانت كل منهما تتمنى ان تعيش عيشة الاخرى فكوثر اصبحت رقيقة ضعيفة الارادة قليلة الحيلة وكرم متمرسة قوية العزيمة ورياضية ولم يمر اسبوع الا وهما معا
كانت من عادة كرم ان تأخذ كوثر ليذهبا معا الى الساحل الشمالي صيفا لتمضي معها اسبوعا يجلسان معا تحت شمسية تقربها من الارض وتجلس تحتها الفتاتين وكأنهما استعادا الوقت الذي امضيتاه في رحم الام ولم تكن تمر السنة دون ان تجلس كرم تحكي لكوثر كل ما تمر به من تجارب وافكار وشخصيات وكأنها تعطيها درسا خاصا في الحياة
تزوجت كل منهما وسافرت كوثر مع زوجها الى نفس مدينة والدتها وتقربت منها هي واولادها من الزوج الجديد وكانت تريد ان تعلم سر ابتعاد الام عنهما بتلك القسوة ولكن لم تعرف كوثر السر لكنها حصلت على دعم نفسي من امها لم تحلم به وكأنها استعاضت عن الفتاتين بواحدة واصبحت تعطيها كل ما تمتلك من وقت لكي تحنو عليها بالكلمة والمساعدة ولم تشعر كوثر بالاجهاد من الامومة كما شعرت كرم
فالامومة عند كرم تعني المسئولية الكاملة وتعني ان تعطي الطفل كل ما تمتلك من قوة وحنان ودعم وحب ولم تتركه ساعة بين ايدي المربيات وان كانت تستدعيهم من بلدهم في اقاصي الشرق الا انها كانت تعتبرها مساعدة لها في اداء مهامها
ارضعت طفلها من لبنها على الرغم من امتلاء وقتها بالمهام العامة والخاصة ولكنها اعتبرت ان هذا اللبن هو رصيد تضيفه داخل هذا الطفل ومستقبل تبنيه من اول طوبة واستمرت علاقتها بابنها قوية الى ان تخرج من الجامعة وتزوج من زميلة له عربية الاصول واراد ان يترك البلد ليعيش في بلدها ولم يتوان عن ان يخبر والدته بتلك الرغبة
مرت الليلة التي علمت فيها كرم ان ابنها الوحيد سيسافر الى تونس ليفتح شركة هناك مشابهة لشركة والدته في مصر ويفتح المجال بين التعاون المشترك بين اهل زوجته وبين امه ، مرت وكأنها تعذب بسياط طوال الليل بل وكان الحلم الذي تكرر منذ تلك الليلة هو ان هناك من يمسك باداة كبيرة يخلع بها سنة من اسنانها الامامية
نهضت من نومها ووجدت الوسادة مبتلة لا تعلم هل كانت من العرق ام الدموع وخافت ان تنظر اليها او تبتسم لعل ما رأته لم حلما وان الابتلال ما هو الا دماء سالت حين خلع السنة
مر كل هذا امام كوثر وهي تنتظر المكالمة من حفيد كرم ليخبرها ماذا حدث في الدار التي اودعت كرم نفسها بها لكيلا تشعر اي من اهلها انها وحيدة بل ان كوثر تكاد تقسم أن كرم اشترت هذه الدار أو على أقل تقدير ساهمت فيها
كانت كرم تدير مملكتها من داخل الدار ويأتيها احد المشرفين المتمرسين مرة اسبوعيا تعرف منه ما يحدث في المحال والورش وتعطيه اوامرها وتراقب بكل الوسائل وبالاخص بطريقتها التي تسخر البعض لمراقبه البعض الآخر ولم تتأثر تجارتها ولا صناعتها بوجودها في الدار
شهقت كوثر حين سمعت الرنين لأنها كانت تعلم ان تلك المكالمة ستكون آخر ما تسمعه عن كرم وهرولت الى الهاتف ولكنها سمعت صوت ابن كرم وهو يتحدث بصوت كله حزن ويقول لخالته

البقاء لله يا كوكو ، انا لا اعلم كيف سأعيش ليلة ثانية بدون وجودها في الحياة 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

علامة الاذن التيسير

يجب التمهيد لوجود برص في البيت

الاولويات تقلل من الحوادث بس للي مش معقد من حياته