قصة يوم الخميس - الفصل الثاني والعشرين

الفصل الثاني والعشرين
جمعت مروة شتات نفسها بعد مكالمتها مع امها وجلست على كرسي المستشفى في حجرتها الصغيرة
انها تعلم انه في مراحل الشفاء يجب ان تستقر الحالة وتبعد عن العدوى والمجهود حتى ينتهي مفعول المادة الكيميائية في جسدها المنهك وان اي عدوى في تلك المراحل تكن مميتة
ماذا تفعل اذا فهي تشتاق لرؤية وجه امها بعد شهور من البعد عنها
ان وجه امها هو بالنسبة لها مصباح دري داخل قصر مظلم فعلى الرغم من ان والدها ترك لها الثروة التي يحسدها عليها الكثير ولكنها لم تسعد في حياتها بشيء الا وكانت امها طرفا فيه
ان علاقة مروة بوالدتها علاقة عميقة حيث انها كانت تلتمس منها الهدى في كل ما تفعله في حياتها
كانت تعلمها الرقي في الحديث والحركة والانفعال
كانت تعلمها الاسلوب المرن في التعامل مع الاخرين
تعلمت على يدها اسماء الاكلات المشهورة وكيفية صنعها
كانت تخبرها انها اميرة في زمن الصعاليك وان عليها الاحتفاظ بالرقي في كل تصرفاتها وملابسها ، فلكل مقام مقال كما كانت تردد
تذكرت مروة حين كانت ترتدي الذهب صباحا فتعيب عليها والدتها
الذهب ليس لترتديه صباحا لا تكوني مثل محدثي النعمة الصباح له الفضة
لا ترتدي الاكسسورات الفالصو فانت لست مثل العامة
الالماظ للمساء والسهرات فقط فانت لست فاترينة محل مجوهرات
وتسمع مروة وتختنق تارة من كثرة الممنوعات وتسعد فترة لانها تتعامل كاميرة
لم تستعمل يدها قط في الطعام الا عندما سافرت اوروبا مع زوجها السفير
كانت تحب ان تأكل الحمام وتعبث بعظامه لكي تشعر انه بامكانها التصرف بعفوية
حياة مروة مع زينب مليئة بالمحظورات والقواعد والقوانين ولم تشعر مروة بعبء تلك القوانين ولكن اراد الله ان تكن لها تلك القوانين تمهيدا لحياتها الدبلوماسية حتى ان زوجها كان يفخر بها امام زملاءه من الدبلوماسيين لأنها لم تتعلم الاتيكيت ولكنها علمته لبعض زوجات اصدقاءه
لملمت مروة باقي حاجياتها من الحجرة وآتى زوجها يخبرها بانه حان الوقت للخروج ونظرت لحجرتها في المستشفى وودعتها قائلة
حتى المرض له اتيكيت في التعامل معه ، اذا لم تعطه الاهتمام الكافي عاملك بقسوة
ضحك زوجها ووضع يده حولها لكي يساعدها على الاتزان وسارا في طرقات المستشفى وهما يضحكان وكان هذا نهجهما في الحياة أن الابتسامة ما هي الا لونا ابيضا يضيف البهجة على كل الالوان وان كثرة الابتسامه يجعل الحياة كلها سعادة حتى مع اصعب المواقف
خرجت مروة من المستشفى وركبت السيارة وطلبت من السائق ان يمر امام برج ايفل لتودعه فهو صديقها الوحيد في فرنسا وكان يمثل لها وتدا مثل امها الشامخة التي لم تنحني امام اي مصاعب في حياتها واعطتها تلك الثقة والثبات
وصلت للمطار وخرجت من السيارة وبدأت انفاسها تتلاحق فهي لم تخرج من عدة اشهر من حجرتها في المستشفى ولم يعتاد جسدها بعد على الحركة السريعة وبالاخص ان المطار كما هي مطارات العالم هو اكثر الاماكن غربة وتجد من فيها مسرعا حتى لو كان مودعا
احس زوجها بانفاسها فقلل من سرعة سيره وتوقف ثم نظر اليها واوقفها قائلا
هل تقبلين بي زوجا يا عزيزتي
ضحكت مروة وهي تنظر اليه يكاد ينزل على ركبته في وضع سينمائي ولولا جسدها المتهالك لامسكت بيده واكملت المشهد ولكنها اكتفت بالابتسامة والتقطت بعض الانفاس وشكرته على الوقفة التي ساعدتها كثيرا لان تستوعب ان عليها الهدوء في الحركة
اكملت السير ببطء وامسكت بيد زوجها ومالت عليه وهي تهمس
حبيبي اني خائفة من مقابلة امي فهي ستعلم بمرضي وانا لا اريد ان ازعجها
اجلسها زوجها على احدى كراسي المطار
وجلس بجوارها وامسك يدها واخبر المرافق ان يذهب بالحقائب للوزن ليأخذ مكانا وان يرسل في طلبه حين يصل اليه الدور ثم امسك يدها وهو يقول
ان امك سيدة قوية ستتحمل مرضك ولكنها لن تحتمل بعدك اكثر من ذلك
اعطها القرار ولا تبعديها عنك انه من حقها ان تستمع بوجودك لأكبر فترة ممكنة وان تستمعي بوجودها معك لآخر يوم في عمرها
لا تقسي عليها اكثر من ذلك
سقطت دمعة من عين مروة فاخذها زوجها ووضع رأسها على كتفه وأكمل
انتي تعلمين انني كنت ضد قرار البعد عنها وتقاعست عدة مرات عن اخبارها خوفا من غضبك ولكن تلك السيدة من حقها ان تكن لك والا تتركك في ايامك الصعبة
اجابت مروة وهي تحاول ان توقف البكاء
يكفيها ما فعلته يا حازم
انا لا اريدها ان تقضى ما تبقى من عمر وهي تخدمني
ضحك حازم
هل انا كيس جوافة مثلا
اصدرت مروة ضحكة سمعها من حولها ونهضا معا لكي يستكملا اجراءات السفر

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

علامة الاذن التيسير

يجب التمهيد لوجود برص في البيت

الانسان تاريخ