وقفة مع الحزن

 وقفة عرفات على قدر ما هي روحانية و جميلة إلا أن والدي سلم روحه لبارئه فيها

اتذكر هذا اليوم حين استيقظت على صوت التليفزيون وهو ينقل وقفة عرفات بتسجيل حي ووالدي يشاهده وهو في السرير لانه كان يعاني من جلطة في القلب

كنت في حجرتي معظم الوقت و وكنت اخاف من أن ارهقه بوجودي حيث انني كثيرة الجدل و المناقشة

ما زال صدى صرخات امي حين كان أبي في آخر لحظات حياته تتردد و انا اهم بمساعدة ابي بكل ما كنت أعلمه من خطوات الانعاش حتى نهرتني امي و وجدت جارتنا تقول

أزمة و تعدي

جريت ابحث عن طبيب و كلي امل في أن تكون أزمة و تعدي

و لكنها لم تكن كذلك في الحقيقة

على قدر ما كان في الامل إنقاذا لي في تلك اللحظة الحرجة على قدر ما أصابني الذهول حين علمت أنها النهاية

توقفت عن الحديث و استبدلت كل ما أستطيع ان اعبر به بدموع لا تتوقف ليومين كاملين لا اعلم من اي تاتي بتلك الغزارة

لقد كان صديقي العزيز و مثلي الاعلى و كان يستمع إلى بانصات و كان ساخرا و يفهم النكتة و انا ورثت منه تلك الصفات و لذلك كان يلقط التعليق و السخرية من الهواء و تتعالى ضحكته حين نتبادل القفشات

كنت أرى عيونه تلمع حين يتمكن من مساعدة أحد أو إخراجه من أزمة ويقضي اليوم مبتسما ضاحكا

كان رئيس نيابة و لكن لا يتورع في أن يساعد الدفاع لو أهمل نقطة لصالح المتهم

وكان يحزن و يكتئب إذا كان هناك حكما في جناية أو يجلس في حجرة فيها من الكتب و الاوراق التي تؤكد له أنه قام بكل ما يستطيع لإحقاق الحق

كان رقيقا فنانا على الرغم من عمله في مجال القانون و الاستشارات القانونيه و يعطي لكل منا وقتا مع كثرة مهامه كمستشار للنائب العام في طرابلس ليبيا

كنت اسمع صوت ترتيله للقرآن في الفجر و أراه منتظماً في الصلاة في المسجد و اعتكافه تقريبا كل يوم من المغرب للعشاء

اقتربت وقفة عرفات و شعرت بالحنين لرؤيته و سماعه يضحك و يعاكسني

رحمك الله يا ابي الحبيب و جعلك في قطعة من الجنة ليوم الحساب فقد فارقت الدنيا بعد أقل من ستين عاما قدمت فيهم من الحكمة و العطاء و التضحية و الحب ما يغطي أكثر من مائة عام

بعد وفاته جاءني في الحلم وانا ابكي ليقول لي

كفي بكاء فقد كنتي نعم الابنة فلم تتركيني حتى في آخر لحظاتي

توقفت الدموع و ظللت أتجنب غرفته شهورا حتى أنني كنت أنظر للجهة الأخرى حتى لا أرى أي لمحة منها فيتقطع قلبي لفقدانه

أخبرت قلبي أنه مسافر و سيعود حتى يحتمل البقاء فاستطعت أن أكمل الحياة بدونه

وكل سنة في وقفة عرفات يعود إلي طيفه ليخبرني بأنه كان في رضاء عني و جفت الدموع فلم ابك منذ ذلك اليوم