يوم الحميس - الفصل السادس والعشرين

الفصل السادس والعشرين

افاقت زينب بعد عدة دقائق ووجدت بجوارها نازلي واميرة وصفية وكانت وجوههم بيضاء ناصعة من كثرة ما هرب الدم منها وحاولت النهوض ولكن يصعب عليها النهوض مع حالة ركبتيها المتآكلتين وساعدتها السيدات والمشرفات على هذا الى ان انتصبت ونظرت حولها لتجد انها في الممر بين الحجرات

نظرت الى صفية وقالت لها هل يمكن ان تساعديني في الوصول الى الحجرة

قامت صفية بوضع مرفقها اسفل يد زينب وسارتا متجاورتان الى ان وصلتا للحجرة وهناك بدلا من ان تذهب الى سريرها سارت الى الدولاب لكي تبحث عن زجاجة السيانيد ووجدتها في الرف السفلي على الرغم من انها دائما ما تضعها في الرف العلوي

نظرت الى صفية وشفتاها ترتعشتان وعيناها تدور كالمغشي عليها وقالت

مصيبة يا صفية

اعتقد ان عويس شرب من الزجاجة التي في الدولاب

لقد اخبرته انها فيتامينات

ياللهول

لقد تسمم بسببي

شهقت صفية وهي تسمع الخبر وجاءت نازلي مسرعة لانهما لم تغلقا الباب وكانت نازلي تضع زينب تحت نظرها بعد ان استفاقت من اغمائها ورأت زينب تبكي بحرقة

انا السبب ، لقد شرب السم من الدولاب

نظرت نازلي الى زينب وامسكت بها لكيلا تنهار اكثر من ذلك وقالت لها

اهدأي وانتظري لنفكر

اولا ما الذي اتى بالسم في دولابك وما دخل عويس بالسم يا زينب

جلست زينب ومسحت دموعها ونظرت لتجد ان معظم السيدات في حجرتها واعتبرت ان تلك الفضيحة تمت لانها كانت تفكر في اغضاب الله وان تفكيرها في الانتحار لن يمر في صحيفة اعمالها بسهولة

طلبت زينب ان تختلي بنازلي لكي تقص عليها القصة فخرجت السيدات وتركن نازلي مع زينب تتحدثان معا وقامت نازلي باعداد مشروبا ساخنا لكي تهدئ من روعتها وجلست بجوارها على الارض لتعطيها مساحة من الهدوء والتفوق وظلت تربت عليها وتحثها على انهاء الشراب الدافئ

بدأت زينب في الحديث بدون ان تطلب منها نازلي وقصت لها انها مطلقة احبت زوجها حبا شديدا واعطته من حبها اكثر مما طلب ولكنه تركها بحثا عن فتاة لعوب وعلمت انه زهد العيش معها واخبر الجميع انها يعشق المش على قدر كرهه للكافيار تلميحا لانها راقية وهو يريد العيش البلدي ولم تكن تلك التعليقات جديدة عليها فمنذ اول يوم بعد الزفاف وهو يعيب عليها تمسكها بالقواعد والقوانين

نظرت زينب لنازلي وقالت لها

يعلم الله انني لا اريد ان اتسبب في اختناقه بتلك القواعد ولكني هكذا كنت وهكذا اصبحت وليس الموضوع بيدي

ربتت عليها نازلي وهي تهدئها

انه اختارك بقوانينك فما له من شكوى بعد ذلك واذا كان يحب المش او الكشري فما اجبره على السيمون

وكأنها انقذتها فقد احست انها تفهم ما تقول

نعم يا نازلي لماذا تزوجني وهو يعلم انه ليس بيدي ما اعتدت عليه ولكن ابنتي الحبيبة هي كانت العزاء والحب وهي كل ما احبته في حياتي ، كنت احاول ان اعوضها بعد الاب ولكن من الواضح انني لم انجح في هذا فقد تركني ولم تزرني ولم تحدثني في الهاتف الا اليوم

تكمل زينب الحديث وهي تبكي

انا احبها وصراحة لم افهم سبب بعدها عني وهذا ما جعل قلبي ينفطر وجعلني افكر جديا في انهاء حياتي يوم الخميس

اندهشت نازلي ولكنها لم تظهر انفعالها لكي تترك لزينب الفرصة لانهاء حديثها

هل تعلمين لماذا اخترت يوم الخميس

لانه في وصيتي ان ينشر النعي يوم الجمعة وهو اليوم الذي تقرأ فيه ابنتي صفحة الوفيات كاملة

ابتسمت نازلي فهي تعلم الرغبة الانتقامية للسيدات حين تتمنى الموت فقط لكي يحزن عليها من يحبونها فهذا الشعور يجوب فلوب الامهات والزوجات كثيرا ولا تعلم هل هذا الشعور ناتج عن عدم الامان وعدم شعورهم بالحب الكافي ولكن الى الآن لم تعرف نازلي ما الذي احضر السم الى المكان

نظرت زينب لنازلي وهي تحاول ان تتحدث دون ان تسقط دموعها

طالما اردت الهروب من حياتي والخروج منها فانا اشعر اني غير جديرة بالسعادة ولكن ابنتي كانت تعطيني الاسباب للبقاء في تلك الدنيا السخيفة ، هي كل دنيتي ولم اكن اريد عيرها وحين بعدت زهدت الدنيا كلها

بدأت نازلي في الخروج عن صمتها وسألتها ولكن ماذا اتى بالسم الى هنا

انا ردت زينب

هذا السم هو رفيقي في الحياة انا احتفظ به منذ طفولتي وهو سري الاعظم لا يعلم عنه كل من عرفتهم اللهم الا صفية لانها عاصرت كآبتي وعلمت برغبتي في انهاء حياتي

اتسعت حدقتا نازلي فهي لم تسمع عن طفلة تسير بزجاجة سم من قبل على الرغم من كثرة خبرتها في الحياة

استمرت زينب في الحديث

انا قرأت عن الملوك وقادة الحروب الذين يضعون السم في زجاجات صغيرة في افواههم ليكسروها حين الهزيمة ويموتون قبل ان يتعرضون للهزيمة وانا كنت احلم بان اكون من الفرسان الذين يضحون بالغالي والرخيص في سبيل مملكتي الغالية

وكيف امكنك الحصول على السم وانت طفلة يا زينب انا مندهشة قليلا

من اخي يا نازلي اجابت زينب بعد ان شربت بعض من الشراب الدافئ فاستطاعت ان تلتقط انفاسها

انه سيانيد البوتاسيوم الذي قتل اعتى المسفاحين راسبيوتين

آمنت نازلي يمقدار ثقافة زينب ولكنها لم تفهم ما دخل اخيها في السم في راسبيوتين

ان اخي كان من هواة التصوير وكان يشتري تلك المادة لاضافتها لسائل الاظهار في الصورة بمظهر الصورة القديمة فهو يحول الوانها الى اللون البني القديم وهو من علمني ذلك وكان يخبئ سيانيد البوتاسيوم حتى لا يأخذه احدنا بالخطأ ولكني استطعت ان احصل على البعض منها في تلك الزجاجة التي في الدولاب

قامت نازلي من الارض بجوار زينب ووضعت وجه زينب بين يديها وقالت لها

ما كل هذا الالم واليأس

واحدة بأصلك وتربيتك وثقافتك يجب ان تتباهى بين السيدات وتسير كالطاووس يا زينب

ان ابنتك لديها العذر اكيد وستعلمينه حين تأتيك فلا تبتئسي لهذه الدرجة

كانت تلك الكلمات تنزل على قلب زينب كالماء المثلج لحلق جاف صائم فهي لم تسمعها لا من اهلها ولا من زوجها ولا من زملاءها وكان الارض الجرداء ازهرت

والآن اريد ان اعرف ما الذي اوصل تلك الزجاجة لعويس

سألت نازلي فأجابتها زينب

رآها معي اليوم وسألني عنها فأخبرته انها فيتامين وشككت انه سرقها حين قيل انه تسمم بالسيانيد ولكني وجدتها

استنتجت نازلي انه قد يكون قد سرق بعض منها اليوم لأن الجميع كان يتحرك ولم احد يتابع احدا خلال اليوم ولذلك لعله استطاع الدخول الى حجرتها وقت الغذاء

اطمأنت نازلي من ان زينب ليس لها يد في تلك الحادثة وطمأنتها وقالت لها استريحي قليلا وانا سأخبر اميرة بما حدث حتى تستكمل التحريات

لا تقلقي يا زينب انا معكي وساعة التسمم لم تكوني معه بل كنا كلنا في المطعم

خرجت نازلي من حجرة زينب والقت عليها نظرة اخيرة وهي تحدث نفسها ان وجودها في تلك الدار ضرورية جدا وانها عليها ان تخبر ابنتها بقرار بقاءها هنا طالما لوجودها معنى