قصة يوم الخميس - الفصل الثامن والعشرين

الفصل الثامن والعشرين
نهضت اميرة من نومها وهي تستعد ليوم الجمعة التاريخي في حياتها المهنية ان لم يكن في حياتها كلها وفتحت نافذة حجرتها الملحقة بالدار ونظرت للحديقة الصغيرة امام نافذتها وسمعت صوت عصفور يغرد وكانها يعطيها املا في صباح جديد
كانت اميرة وما زالت المرأة الحديدية في عائلتها ، امرأة المهام الصعبة ، امرأة المستحيل كما اطلق عليها والدها ، فهي كانت ذراعة الايمن وكل عيونه ، احسن تربيتها فقامت مقام الاب في الاسرة ، ولم يكن لها خيار في هذا ، فهو من قرر ان تكون هي الاصل في اسرته الصغيره وكان هذا لشعوره بانه لن يعش ليراها شابه بل كان دائما يحلم بانه يركب القطار قبل موعده  وفي كل مرة يسأل عن معنى الحلم يقال له انه سيرحل سريعا وانه سيترك الدنيا
عاشت اميرة تعمل عمل الاب في الاسرة ولكن ليس عليها العبء المالي فهي من تقدم اوراق التقديم لاخواتها وهي التي تحضر النتائج وتعاقب على الاهمال وتحدد الاصدقاء وترفض الزيارات وكان اخواتها يستأذننها في الخروج وتحدد الاموال التي يأخذونها وساعدها في ان تتقمص دور الاب ان الام كانت من السيدات قليلات الحيلة والتي تعشق ان ترمي بحملها على غيرها
تلك الاميرة التي اطلق عليها اميرة لانه كما اخبر والدتها ستكون تلك الفتاة اميرتي وستتزوج من ملك وهي نور اسرتنا وكانت اميرته ولكنها لم تتزوج ملك ، بل لم تتزوج على الاطلاق فهو لم يجد الملك الذي يسلمه تلك الاميرة
عاشت اميرة في بيتها ولكنها لم تكن اميرة قلوب الرجال ، فالرجل يكره ان يصبح زهرة في يد امرأة ، بل يريدها ان تحتاجه وان تبحث عنه وان يكن هو كل حياتها وهي لم تعش تلك اللحظة التي تحتاج فيها هذا الرجل
سمعت صوت العصفور يغرد وامسكت بكوب الحليب الذي اعتادت ان تأخذه مع دواءها قبل ان تستعد للكفاح واي كفاح ستستعد له اليوم ، فاليوم سيأتي وكيل النيابة وستصبح الدار من الدوامات الاخبارية التي يعيش اكثر من فيها لحظات الاثارة التي جلبتها كرم للمكان بموتها المفاجئ وغير المتوقع
ان وفاة احدى النزيلات ليس حدثا فكلهن فوق السن المعتادة للموت الطبيعي ولكن موتها بجرعة زائدة من المخدر هي ما اثارت الجدل والاثارة وعليها ان تعلم ما الذي جعل المخدر يصل الى المكان وهل الجرعة الزائدة هي حصيلة ادمان ام حصيلة احتياج
كانت اميرة تشك ان كرم ما هي الا كتلة من الآلام  ، خاصة و انها الوحيدة التي لم تصادق ولم تتحدث عن نفسها ، فقد كانت تحترم كل من معها ولم تشارك اي من السيدات في حياتها الا نادية
ان نادية كانت دائما ما تحير اميرة فهي لم تر فيها الضعف الذي يراه الجميع ، انها تمثل دور المنقادة بكفاءة ولكن اميرة لم ينطل عليها هذا الدور وكانت تعرف انها تجيد المراوغة وان كل حديث معها ينتهي بان يذهب عقلها الى الماضي وهي تعلم انها ليست مريضة عقلية ولم تأتي الى الدار كمريضة ولم يطلب اي من اهلها رعاية صحية خاصة لها
اكملت اميرة افطارها وارتدت ملابسها وخرجت من مسكنها الخاص الى الدار التي تبعد عن مسكنها عدة خطوات ولكن بعد سور يفصل بين حياتيها
دخلت اميرة المكتب وطلبت القهوة السريعة والجرائد وكانت تلك عاداتها طوال فترة عملها بالدار وكان عليها بعد ذلك المرور على النزيلات وسؤالهن عن مشاكلهن او معرفة طلبهن خلال اليوم
امسكت الجريدة ووجدت تلميحا عن مقالة تفضح دارا للمسنات وعلمت تمام العلم ان الجريدة ستقوم بعمل تقريرا عجيبا عما حدث يوم الامس ولكن عليها ان تتماسك وتبدأ في الرد على كل الاجابات التي ستأتي اليها حين يبدأ الاعلام بأخذ الخيوط والحديث المقطوع عن معاملة النزيلات وعن الادارة المريضةالتي تعاملهن بسوء وغير ذلك من المتوقع من الاحاديث
قررت اميرة ان تبدأ بالحديث الى الصحفية التي تحدثت اليها يوم الامس وان تقوم بعمل حديثا صحفيا ومؤتمرا صغيرا تتحدث فيه عما حدث وهي لا تعلم ما حدث الى الآن ولكن دون ذلك سيكون عليها الرد على كل صحيفة او برنامج يقيم الدنيا ولا يقعدها عن الدار
جاءها رنين الهاتف وكأنه يعوي وردت مسرعة لتجد احد مالكي الدار يتحدث معها
اخبرته بكل الهدوء ان هناك حادثة وفاة لاحدى النزيلات وهناك شك في انها تعرضت لجرعة من المخدر وهناك حالة تسمم للممرض وانها ستقوم بعمل حديثا صحفيا في مؤتمر الغرض منه ان يكون هناك قناة واحدة يأتي منها الخبر اليقين
اخبرها المالك انه سيقوم بالاتصال بالمحطات ومحاولة الاتفاق على الحضوربعد ظهر اليوم لتحضير هذا المؤتمر
جاء وكيل النيابة وطلب ان يخصص له حجرة للبدء في التحقيق
قامت اميرة باعطاءه حجرة المدير المالي وطلبت من طاقم الاشراف ان يجمع الاوراق ويضعها في حجرتها حتى يكون هناك مجالا له دون ان يتسبب التحقيق في ضياع الاوراق
امسك وكيل النيابة بالاوراق في يده وطلب مقابلة صديقات القتيلة وبدأ بفاطمة هانم
بعد ان سألها عن اسمها وسنها وانهى كل البيانات الخاصة بدأ يسألها عن كرم
اخبرته فاطمة ان كرم لم تكن محبوبة وانها كانت تعيش لنفسها ولديها اسرار لا تعلمها وانها لم تدخل حجرتها الا يوم الوفاة واكدت انها قتلت وان عويس له يد في ذلك لانها كانت تقابل عويس خلسة في المساء من كل يوم وانها كانت تراها تعطيه نقودا كثيرة
واخبرته ان عويس كان نذلا مع الجميع وسارق محب للمال مروج لكل الممنوعات وانها كانت تخاف ان يدخل حجرتها وكانت تمنعه من دخولها ولكن كرم لم تكن تمنعه من الدخول والبقاء فترات كثيرة من الوقت
سمع وكيل النيابة القصة كاملة من فاطمة هانم وعلم ان كرم سقطت في حجرتها حين كانت صديقاتها كلهن في الحديقة الا صفية وزينب
ولم تزد فاطمة عن الحقيقة على الرغم منها فقد هددها اخيها وعليها ان تلتزم حتى لا تتسبب في ان يفضحها امام الجميع ويعلم الكل خلفيتها المتواضعة
واستمع لزينب التي اكدت على ان كرم كانت مثالا للكرم وحين سألها عن علاقتها بعويس نفت ما قالته فاطمة انها تراه منفصلة فعويس معتاد ان يرى السيدات كلهن لانه يشتري لهن ما يطلبنه من خارج الدار وان كرمها مع عويس لم يتخط الرعاية التي تعطيها للجميع وان عويس هو الذي كان يتودد لها كثيرا لانه يعلم عن كرمها الكثير وانها كانت تصده في كل الاوقات
وسألها عن اعداء عويس في الدار وبدأت زينب في التلعثم واثار وكيل النيابة عرقها الشديد فضوله ولكنه اكتفى بذلك وطلب مشاهدة الاخريات
واستمع الى نادية التي اصرت ان هناك مبلغا كبيرا من المال كان لدى كرم لانها كانت تريد ان تبدأ مشروعا للسيدات وان هذا المال لو لم يتواجد في الغرفة ففي الغالب انها قتلت بغرض السرقة وحين واجهها وكيل النيابة ان السارق كان يمكنه ان يسرقها في اي وقت لانها كانت خارج الغرفة بدأت تتحدث بطريقة فيها الكثير من المراوغات وتاه عقلها وبدأت في الهلاوس حتى انه اقفل الحديث على ما قالته واكتفى منها بهذا
حين دخلت صفية الحجرة لمقابلة وكيل النيابة كان كل طرف فيها يرتعد من الخوف وكانت تسير بصعوبة لتصل امامه وتضحك بطريقة هستيرية حتى ان وكيل النيابة ظن ان بها بعض من اللوثة
اعطته اسمها الثلاثي بعد ان اضافت اسم احد الجدود تلني لك تستخدم اسمه في الاوقات العادية وظنت انها بذلك ستستبعد ذكر اسمها في التحقيقات واخبرته بان عويس كان يجب ان يموت بهذه الطريقة المهينة لانه كان يتحرش بكل فتيات البوفيه وكان يروج الممنوعات من كل شيء لكل الرجال في الدار حتى السائق الذي اتى بها هنا كان يخبرها ان عويس يجب ان يترك هذه الدار لانه سيسيء لسمعتها
ولكنها خلال كلامها المتلعثم لمحت انه يسرق كل شيء من الحجرات وانها تشك انه سرق السم وشربه
اوقفها وكيل النيابة عند تلك الجملة وسألها عن السم الذي تتحدث عنه  وعن وجود سموم في الدار
صمتت صفية وكأنها لم تقل تلك الجملة وقالت اي سم تسألني عنه انا اقول لعله سرق السم ولا ادعي ان هناك سم في الدار
سألها لو كانت تعلم ان كرم تريد الانتحار او شيء من هذا القبيل ولكنها اصرت انها لا تعلم شيء عن كرم وانها بعيدة عن النزلاء وان وجودها هنا فقط لان لديها صديقة تريد ان تقف بجوارها وانها اتت مخصوص لتقضي بعض الوقت معها وكانت تلك الاكذوبة هي ما نوت ان يكون ردها اذا افتضح امرها
جاءت نازلي حين استدعاها وكيل النيابة ودخلت الحجرة بخطى ثابتة وسألها عن كرم وعويس واخبرته انها حديثة العهد بالمكان ولكنها ترى ان كرم لم تكن لديها نزعات انتحارية وكانت تشك ان فاطمة هانم قد اخبرته باي تحليلات خاطئة
سألها عن عويس اخبرته ان عويس من الشخصيات سيئة السمعة وانها كانت تكره التعامل معه ولكنها متأكده من انه يقوم بالاعمال المريبة وان وجوده في الدار لم يكن شيئا موفقا من البداية ولم تكن تعلم ان عويس كان من العيون المدسوسة لبعض مالكي الدار لكي يقص لهم ما يحدث
سألها عن السم في الدار
صمتت واتسعت حدقتا عينيها وعلمت ان هناك من تسربت منه تلك المعلومة وشكت في صفية فهي تلازم زينب ولكن لماذا اخبرتهم بالسم
كانت في حيرة فهل تخبر وكيل النيابة لما حدث ام تصمت وتترك التحريات لكي تصل للخبر بنفسها
حينها سمعت خبطات على الباب ورجل يدخل وهو يتحدث بأعلى صوته
عويس هو السبب ، لقد سرق الفيتامين ولعله تعدى الصلاحية
لم يقتله احد ،  عويس اخذ زجاجة الفيتامين وشربها وكان يريد ان يبعني اياها ورفضت
ان السيدات اللاتي تتحدث معهن فاضلات لا يصح ان يتعرضن لأذى بسبب هذا الصعلوك
نهضت نازلي مسرعة وقامت بتهدئة الرجل بحرفية شديدة ونظرت في عينيه وهي تطمئنه
لا احد يتأذى يا محمد كلنا بخير ظلت تهدئه وعلم وكيل النيابة من الحديث ان محمد هو سائق نازلي
صمتت نازلي ونظرت لوكيل النيابة الذي طلب من نازلي ان تتركهم قليلا فهو يريد الحديث مع محمد
خرجت نازلي من الحجرة ووجها كان قد اقترب من اللون القرمزي من ارتفاع الضغط والتوتر الشديد
جلس محمد وبدأ في اخبار وكيل النيابة ان عويس كان يسرق السيدات وانه اخبر الجميع ان السيدات يحضرن افضل انواع الادوية من الخارج وانهن يعطينه تلك الادوية وانه لديه فيتامين ومسكن للآلام اخذه من احدى النزيلات
سأله وكيل النيابة
هل تعلم اي من النزيلات اعطاه الفيتامين
قال محمد بثقة

لا احد يعطيه انا اعلم فهو يسرق الجميع انا متأكد انه سرق الفيتامين فالزجاجة في يده ليست زجاجة فيتامين وانها زجاجة مياه عادية لعله وضع فيها الدواء وأنا متأكد مما اقول 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

علامة الاذن التيسير

يجب التمهيد لوجود برص في البيت

الانسان تاريخ